لا أتمنى أن يأتي اليوم الذي يقول فيه أي محللٍ أو متابع، إن الثورة المصرية بدأت مدنية وانتهت تخريبية. الثورة المصرية لا تزال في طور الإنجاز، لم تكتمل بعد، لأن الثوار لم يتفقوا على مخططٍ هندسي مدني لبناء الدولة والأخلاق والمؤسسات ومختلف الفروع الأساسية لبناء مصر الجديدة. بدليل أن الثوار انقسموا من أحداث الاعتداء على السفارة الإسرائيلية إلى قسمين، قسم نفى علاقته بالهجوم، بينما الذين بجوار السفارة يعتبرون ما قاموا به تتويجاً للثورة وإتماماً لها. كنتُ أعجبت بأن الثورة بلا قائد، وبلا أيديولوجيا، لكن الحاصل الآن أن الثورة المصرية صار من عيوبها أنها بلا قائد، لأن المسؤولية الفردية ليست موجودة لدى الجميع للأسف، صار كل ألفٍ يجتمع يمكنه أن يقوم بعملٍ يراه من صميم الثورة، وهذه مشكلة كبيرة. الاعتداء على السفارة الإسرائيلية ليس اعتداءً على إسرائيل، بل اعتداء على الثورة أولاً، لأن ما بين مصر وإسرائيل أسس بناءً على اتفاقيات بين البلدين، ويمكن ببساطة للشعب أن يشرع بإلغاء أو تعديل أي اتفاق لم يعجبه، ولكن ليس من خلال التخريب والضرب والإحراق والقتل، بل عبر بناء الدولة ثم المؤسسات التشريعية ومن ثم يبدأ الشعب بطرح ملاحظاته على الاتفاقيات أو تعديلها أو إصلاحها، أما أن تواجه كل المسائل الشائكة بالعنف فهذا خطير للغاية. الأمور لا تحل بالإحراق والتكسير، بل من خلال المؤسسات التشريعية ومن خلال مكينة الدولة بكل مؤسساتها بعد أن تبنى. وهذا ما كنا نظنّ أنه من البدهيات لدى شعب مصري متحضر له تاريخه مع القانون والنظم والمؤسسات والتشريعات التي سبق بها معظم الدول العربية. ربما كان-من الطريف- أن يكون الحاضر الأبرز في هذا الاعتداء استذكار فيلم عادل إمام “السفارة في العمارة” حينما كان “شريف خيري” رمز الصمود! نفس المشهد تقريباً، مع أن الفيلم كان كوميدياً للغاية، بينما الحدث الأخير جاء مؤلماً لجميع المحبين للشعب المصري، تخيلوا أن يجرح قرابة الـ1000 مصري، بسبب اعتداء على السفارة الإسرائيلية، مع أن الشعب يمكنه أن يحقق ما يريد سلمياً من خلال الاقتراع والمؤسسات والنظام والبرلمان. أمام المصريين اليوم لحظات حسم لا تحتمل المجازفة، لأن الانفلات أو التشابك مع رجال الأمن أو إهانتهم يعني انهيار-لا سمح الله- ما بني خلال الأشهر الماضية. ليواجه المصريون استحقاقاتهم الانتخابية وليبدؤوا بناء بلدهم وليجندوا طاقاتهم لصياغة أي ملاحظة على أي اتفاق قائم من خلال المؤسسات فقط، لا من خلال الإغارة والغزو والتخريب وكسر الأبواب. حين كنس الثوار الشوارع بعد الثورة كنا نشاهد صورة جميلة، ولكن حين رأينا آخر الأحداث سواء الاعتداء على رجال الأمن وخلع قبعاتهم، أو من خلال التحرش بسفاراتٍ عربية أو بالاعتداء على السفارة الإسرائيلية شعر المتابع لأول وهلة أن الثوار يريدون العراك مع كل العالم من خلال إبقاء “إرث الثورة” في النفوس! يعلق أحد الكتاب-الأستاذ حمد الماجد- بعبارة جميلة حين قال إن بعض الثوار يمارس “الدلع الثوري” وصدق. إذا كانت الثورة قد نجحت وحققت هدفها الرئيسي برحيل حسني مبارك، ومن ثم حوكم وأتي به على سريرٍ أبيض هو وولداه، فلماذا العبث بالعلاقات التي تربط مصر مثلاً بالخليج أو بأي دولةٍ أخرى باسم إتمام مسار الثورة؟ هل مسار الثورة أن يحقق كل شخصٍ مراده؟ وهل يمكن للحقد أو الإرث النفسي أن يتحكم بالتصرفات التي كان من المفترض أن تكون مدنية متطورة في رؤيتها للأمور؟! لتبدأ مصر من جديد من خلال بناءٍ أساسي بعيداً عن محاكمة الداخل والخارج، وبعيداً عن منطق القصاص والانتقام، هذا ما نوده للشعب المصري الحبيب!
جميع الحقوق محفوظة 2019