“أوباما”، اسم سيحفر في التاريخ لأسباب منها، أنه أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية، ولحصوله على جائزة نوبل. لكن مع مرور سنة وثلاثة أشهر على توليه الحكم، يتساءل الإعلام في العالم: هل فعلاً نحن أمام انهيار تدريجي لأسطورة أوباما التي لم يسبق لها مثيل في العالم؟ احتفل الناس بفوزه في كل قارات العالم، وفي كل أنحاء الكوكب؛ لأن رمزية الفوز كانت هي الفكرة الطاغية في أذهان الكثيرين. البشرية استطاعت أن تتحرر من كارثة عنصرية تاريخية تفرز الناس على أساس لون لم يكن لهم فيه أي دور. في عدد “النيوزويك” الأخير، كان موضوع الغلاف عن أوباما: “نقص في الإلهام، كيف تحول الريادي عام 2008 إلى رئيس مكبوت في عام 2010”. ضم الملف الذي خصصته المجلة العديد من المقالات الرصينة التي تتناول تجربة أوباما التي تجاوزت خمسة عشر شهراً بالتحليل والتفصيل. كانت مقالة “جون ميشام” الأكثر حدة ووضوحاً، والأكثر انحيازاً إلى فكرة كون أوباما فقد الإلهام. ويعيد هذا إلى كون أوباما: “وسطي، ولا يمكن تحديد تصوره للعالم بسهولة ضمن الفئات المألوفة من يسارٍ ويمين”. رؤية أوباما للعالم ليست منتظمة ضمن السياقات التقليدية التي اعتادت عليها الولايات المتحدة الأميركية، يصنف في “اليمين” كما “اليسار”، وفق الطروحات التي يطرحها، لكنه في الواقع ليس منضوياً انضواءً كلياً إلى أيّ من الطرفين، ومن أطرف التصنيفات التي خلعت على أوباما أنه “ثوري”. في المقال نفسه، يقول “جون ميشام”: “الكثير من الأميركيين المشاركين سياسياً، الذين هم الأهم في مثل هذه القضايا يبدو أنهم يعتقدون أن أوباما هو ثوري يقوم الآن فقط بتعلم درسه”. في فوران التنافس الانتخابي، طرح أوباما بوصفه منحازاً لليسار انحيازاً كاملاً. هذا من حيث رؤية أوباما، لكن من حيث العمل تطرح أيضاً استفهامات كثيرة. ماذا أنجز أوباما؟! كل شيء على ما هو عليه، في الشرق الأوسط، لا يزال العراق مختطفاً من قبل فئة من العراقيين الذين يتبعون ولاءً لإيران، وهو في حالة أمنية يرثى لها، والتقاتل المذهبي الحاصل في العراق غير مسبوق منذ قرون. في فلسطين، كل شيء على ما هو عليه، الانقسام البشع بين الفلسطينيين أنفسهم أضعف من شعبية القضية لدى الشعوب العربية، بسبب نقص الصدقية لدى الساسة هناك. في أفغانستان، ازداد تمدد “طالبان”، وملف إيران النووي على ما هو عليه، إيران تزداد تحدياً للمجتمع الدولي. الجماعات المسلحة وعلى رأسها تنظيم “القاعدة” يزداد وبسط ذراعه مجدداً في أميركا عبر الطائرة التي استطاعت أن تُدخل “القاعدة” أحد أعضائها المجندين إليها. من جهةٍ أخرى، أسفت الشعوب العربية لمردود أوباما، خاصةً أنه -وهو الذي اكتوى بنيران العنصرية- يمرر قوانين تشترط تفتيش الناس على أساس جنسياتهم، وهو تصرف ربما يهز من شعبيته لدى العالم العربي، بما يتعارض مع خطابه الشهير والتاريخي، الذي كان إيجابياً تجاه المسلمين، والذي ألقاه حينها في مصر وشاهده مئات الملايين. يأخذ البعض عليه أنه يتصرف بوصفه “المثقف”! وليس بوصفه “رئيساً”. يكتب ميشام: “أوباما … يبدو أحياناً مثقفاً متعالياً منعزلاً، فهو يخاطب العقل، ولكنه غالباً ما يعجز عن تقديم الحجة الغريزية في الدعوة إلى شيء ما”. بدأ أوباما أسطورة، امتدت كأشعة الشمس في أنحاء الأرض، رقص الناس لفوزه في الصين وإندونيسيا وأدغال أفريقيا، لكن العمل يختلف عن الدلالة الرمزية للفوز. لا شك في أن أوباما صاحب خطابات ثقافية رصينة، تبرهن على عمق رؤيته للمجتمعات والعالم. لكن كل رؤاه لم تثمر عن إنجازات حقيقية. ولنأخذ على ذلك مثلاً، التناقض بين خطابه في مصر، وإجراءات تفتيش الجنسيات في أميركا. أو في قراراته العسكرية، أو في عدم حله لأي معضلة في الشرق الأوسط إلى اليوم. هل فعلاً نحن نشهد -وبعد انتهاء ربع مدة حكم أوباما- انتهاء أسطورة أوباما؟!
جميع الحقوق محفوظة 2019