إحدى مشاكلنا الاجتماعية ما يمكنني أن أسميه بـ”مرض البرستيج”؛ وأعني به طغيان القشور على المعاني، حين عُرف الفيسبوك في مجتمعنا وقعت النخب في حيرة، هل يدخلون مع الرعاع والجموع كما يسمونهم؟ أم يحافظون على برستيجهم من خلال النظّارات المقعّرة والأساليب الثقيلة؟
تلك الحيرة أثمرت عن “نصف دخول” وذلك من خلال عبارة “هذا الموقع يديره السكرتير” أو “هذه الصفحة تدار من قبل مكتبنا”… إلخ، من العبارات التي توحي بنصف الدخول، حال الداخل في الفيسبوك “رجلٌ في النخبوية، ورجلٌ أخرى في محيط الرعاع”!
عبارة: “هذا الموقع يدار” تدل على أزمة في علاقة النخب بالمجتمع، ذلك أن التاريخ النقدي لدينا ارتبط بتهميش رؤية الناس العاديين، على اعتبارها رؤى سطحية، وغير عميقة، وليست بذات قيمة، لهذا يتبرع! النخبوي بأن يجعل بعض موظّفيه يتحفون أولئك الرعاع ببعض نتاجه، أو ببعض تصريحاته وأخباره إن كان من النخبويين الذين يتسنّمون مناصب عالية. أعترف بحق المثقف أن يكون مشغولاً أو منهمكاً في كتبه باحثاً ومنقباً ومؤلفاً، لكن ما أعترض عليه ليس الاستنكاف من دخول الفيسبوك أو غيره بل أنتقد “نصف الدخول” الذي يرسم صورةً سيئة في أذهان الناس عن المثقفين والنخب والوزراء، أن مشاغلهم لا تتسع للإنصات لآرائهم وأصواتهم.
يعجبني وصف أحد الأكاديميين حين أطلق على مواقع التواصل الاجتماعي وصف “البرلمان المفتوح” فهي مرايا للمجتمع لا غنى للمسؤولين والأدباء والمثقفين عن الاطلاع عليها على الأقل، أو الدخول فيها إن أمكن، لأن التواصل مع الناس ليس عيباً إلا لدى من سكن برجه العاجي وترفّع عن الناس متوهما كماله وأن البقية لم يستطيعوا الوصول إلى مرتقاه الذي وصل إليه كما يرى هو عن نفسه، كل ذلك الوهم ساهم في صناعة “نصف الدخول” الذي يحز في نفوس الأناس العاديين أو “الرعاع” كما يسميهم البعض.
حين اعترف باراك أوباما وغيره من الساسة والقادة بقيمة هذه المواقع واعترف بالناس، وتواصل معهم استطاع أن يصل إلى البيت الأبيض، وحين استنكف الديكتاتوريون من طرابلس إلى دمشق عن معرفة ما يدور في أذهان هذا الجيل صاروا اليوم يعانون الأمرين!
قال أبو عبدالله غفر الله له: باراك أوباما ـ على كثرة مشاغله والتي أجزم أنها أكثر من مشاغلنا كلنا بما فينا النخب الذين نحترمهم ـ لم يقبل فكرة استمرار مساعديه في كتابة تغريداته على “تويتر” وبدأ يشاركنا في تلك المواقع بنفسه، لم يرض بنصف الدخول، مع كل مشاغله، بدأ يكتب خواطره بنفسه لاحظوا: أنه زعيم أعظم إمبراطورية في العصر الحديث!.