كدنا أن ننسى أبو القاسم الشابي الشاعر التونسي، حتى أحياه التوانسة أنفسهم، ليخبروننا أن الشاعر الكبير عصي على النسيان، من ينسى قائل الأبيات العظيمة:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة … فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي … ولا بد للقيد أن ينكسر
بقي الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي محاطاً بمن يحجبون عنه المعلومات عن الفساد وصراخ الشعب، ويخدعونه بحلو الكلام وبالمدح والقصائد العصماء، ولم يستمع لأصوات الناس إلا حينما خرجت إلى الشارع بثورة جماهيرية حاشدة. على مدار الأيام الأربعة الماضية عشنا ما يشبه الأفلام السينمائية الكبيرة والعظيمة. شعب إيجابي استطاع أن يختار ويقرر، يريد أن يرسخ نظاماً آخر لا يقوم على الفساد. لم يسمع الرئيس السابق أصوات شعبه ولم يعلم أن الناس تئن حتى زمجر التوانسة فتجاوزت أصوات زمجرتهم الحجب المنيعة.
أتفق مع الأستاذ: تركي السديري حينما اعتبر في مداخلته مع قناة “العربية” أمس أن الشعب التونسي قام بشيء حضاري، ومهما كانت التجاوزات والأعمال التخريبية إلا أنها لم تشكل ظاهرة لكل المحتجين، بل ربما دخلت العصابات واندس المرتزقة لينهبوا ويسرقوا، لكنها أعمال في هامش الحدث وليست في متنه، وهذا هو الفرق. المشاهد كانت إيجابية والمظاهرات أوضحت للأمم أن الشعوب قد تصمت لكنها حين تثور تكسر كل شيء.
وزيرة الخارجية الأميركية حذرت من تمدد ظاهرة الاحتجاجات التونسية إلى بقية الدول العربية ما لم يأخذ القادة والرؤساء أصوات الشعوب بالاعتبار. الدرس عميق ومقلق الذي طرحه الشعب التونسي، أراد أن يعلن أن الحديد والنار لا يمكن أن تقمع خيارات الشعوب.
الشعوب تعي الدرس التونسي جيداً ولا أحد يحب الفوضى ولا أحد حريص عليها، فعلى الجميع تلافيها قبل أن تكون مفاجأة ابن علي مفاجأة لغيره، قبل أن يكون الفهم متأخراً مثل فهمه. الحريات ليست ترفاً والتكنولوجيا باتت تكسر الحجب وتقصر المسافات.
هنيئاً لكل أمةٍ أرادت أن تأخذ مساحة الحرية التي تريد، ولكل شعب قرر أن يأخذ حقه بهدوء وبأقل ما يمكن من الخسائر. إنها مظاهرة شعب من أكثر الشعوب العربية تعليماً وتحضراً، فلا وراءها لا استعمار ولا استحمار، بل شعب مدني عادي أراد من رئيسه أن يرحل.