العادات والتقاليد التي ننتقدها ليست هي الدين، ولا هي التقاليد الجميلة التي تثري الحياة الاجتماعية، والعلاقات البشرية. العادات والتقاليد التي ننتقدها تلك التي تعيق حركة الحياة وهي ليست من الدين في شيء، كل ما يرثه الإنسان من خلال بيئته ثم يفكر فيه ويجده ممجوجاً يمكن اعتباره من العادات والتقاليد. وتختلف تلك العادات من بيئةٍ لأخرى، الإسراف في الولائم، الزواجات الضخمة، المهور العالية، العنصرية القبلية، وهذه محل انتقاد من كل المصلحين الذين يأتون دائماً إلى مجتمعاتٍ هيمنت عليها التقاليد ثم ينتقدونها بكل قوة، وردة الفعل الدائمة “إنّا وجدنا آباءنا على أمةٍ وإنّا على آثارهم مقتدون”. هذه هي المشكلة أن التفكير بالعادات والتقاليد والأفكار السائدة محل ممانعة اجتماعية في كل المجتمعات، وبخاصةٍ المجتمعات العربية.
العادات والتقاليد ليست هي “يد النجر” أو “الخيمة” أو “المحماس” و “الملقاط”، بل هي ما يورث من دون مبرر عقلي أو نفعي اجتماعي. مثلاً بعض فئاتٍ من المجتمعات البشربة يقبّل الرجال بعضهم أثناء السلام عن طريق الفم، هذه عادة سيئة يمكن أن يتعاونوا على دحضها وإنهائها، كذلك لدينا نحن العناق المبالغ فيه، بحيث تسلم على الشخص ويعانقك حتى يكاد يلتصق ثوبك بثوبه، وربما مسك رأس القلم طرف الشماغ، ثم يسقط العقال، وتتبعه الطاقية وتتحول المجالس إلى ساحات حرب “سلامية” هذا يعانق وهذا يدخل، والآخر من شدة الحماس في العناق يسقط “دلة القهوة”.. وهكذا يحتاج البيت أحياناً إلى ترميم بعض العزائم التي تكثر فيها العادات والتقاليد.
الأخلاق الاجتماعية التي يتوارثها الناس وهي محببة ومحمودة لا جدال في كونها ذات قيمة مدنية، لهذا لا يمكننا اعتبارها ضمن العادات والتقاليد السيئة، بل نرحب بأي سلوكٍ يضيف إلى الحياة الاجتماعية سلوكاً له قيمته وانعكاسه الإنساني على بقية المجتمع. حتى قبل الإسلام كان هناك من يطعم الفقير ويساند الكلّ ويعين على نوائب الدهر، ثم جاء الإسلام مقراً لهذه العادات ومرحباً بها.
قال أبو عبدالله غفر الله له: المتاحف الأثرية التي تضم معادننا ودلال القهوة و”طياس الغرش” هذه أهلاً وسهلاً بها، فهي جزء من تاريخنا، لكن أن نرث بعض الأفكار والعادات والتقاليد التي تشل الحياة فإن هذا ممتنع وسيكون موضع نقدٍ وتأمل وفحص، والمجتمعات الثرية تلك التي تراجع عاداتها من دون كلل أوملل!