أقدر النوايا الطيبة تماماً، لكني أعلم يقيناً، أن النوايا الطيبة لا تكفي لصواب العمل!
وقد مررنا بظواهر عجيبة، بداية من ظاهرة الشيخ أحمد حارس الغرفة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، يوم أن انتشرت رسالة منه، مع أنه لا وجود له في الحقيقة، إلا إن كان رفع إلى السماء قبل اكتشافه، وهو يدعو بأدعية ويردد آيات كريمات، ويوصي من تقع في يده الورقة بأن يمررها على أكثر من تسعة أشخاص على الأقل، وتذكر الورقة أن سيناً من الناس وزعها فأرسل له ثلاث سيارات فيراري وأربع سيارات لمبرقيني وأصبح مساهماً رئيساً في سابك، وجنبه الله ويلات الأسهم، ورزقه مالاً لم يعرف المحاسبون ضبط الأصفار الواردة في يمينه! وأن صاداً من الناس تراخى عن توزيع الوصية، “فتوهق” في أسهم الخشاش، ووضع أمواله في مساهمات العقار الوهمية، فطارت إلا قليلاً، وا”نفقع” كفر سيارته الأيمن وعلى يمينه “قلابي” كتب على قفاه: “مر وعدّي واصحا التحدي”! ثم لزمته الفاقة، وسلط الله عليه زوجة نكدية سائر الدهر، وكفى بها عقوبة!
ما إن انتهينا من ظاهرة وصية الشيخ أحمد، حتى انتقلت الظاهرة بثياب جديدة وإن كانت مرقعة مخرقة مهترئة، منها أن تفتح إيميلك، فتجد فيه قسماً بالله العظيم وكتابه الكريم، أن توزع هذا الإيميل على من عرفت ومن لا تعرف، على من يقع في قائمة البريد لديك، ومن لا يقع فيها، دون استنثاء لمفكرة الهاتف ولستة البلاك بيري ومجموعة الآي فون، بل وحتى البيجر لو كان فيه أسماء، والرسالة: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
كلمات عظيمة، لكن الله ليس بحاجة لهذا الاستجداء لحد التمحك من أجل نشر كلمتين اكتفى النبي الكريم عليه السلام لإقناع امته بهما بقوله: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان! فشتان بين أسلوب وأسلوب!
تخيل أن يكون دينك وديانتك على المحك إن لم توزع إيميلاً أو تتفاعل مع قضية!
نحو ذلك أن يتابعك البعض في (تويتر) مثلاً، مطالباً أن يسمع رأيك في قضية إيقاف كاتب أو إجراء إداري أو مناسبة مرور عام على مجزرة غزة، وكأنك في محاكم تفتيش، فإما أن تقول رأياً وإلا فلن يقبل الله منك يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً!
هذا منهج الضعفاء أيها السيدات والسادة، وديننا العظيم، وما تعتقدون أنه عادل من القضايا، لا يقوى بالاستجداء، فإن كنتم تسعون لتعزيز الحريات، فتذكروا أن الحرية الحقيقية ليست أن تفعل ما تريد، بل ألا يجبرك أحد على فعل ما تريد.
تذكروا أيضاً أن الاستجداء لا يزيد القضايا قوة، بل يجعل الضعف ينخرها نخراً يا رعاكم الله!