يفرح البعض عندما يجد في نصوص ابن تيمية ما يؤيد رأيه، أكثر من فرحه -ربما- فيما لو وجد في القرآن وصحيح السنة ما يؤيد وجهة نظره!
نحوّل بتعاملنا أحياناً نصوص ابن تيمية إلى نصوص معصومة. مع أن هذا التقديس يُخالف تثبيت القدسية في نصوص الوحي. ابن تيمية بشر. هو فقيه كبير، وعالم جليل لكن نصوصه ليست مقدسة. وإذا كان فقهاؤنا يردّون على الأئمة الأربعة وعلى فقهاء المذاهب الآخرين، فإن الردّ على ابن تيمية أو إبداء ملاحظة على نصوصه ليست معضلة، أو كارثة.
لا يخفى على المتابع؛ أننا بقينا لسنوات مرتهنين للتقديس العمليّ، وإن تبرّأنا منه قولاً. لهذا سعدتُ وأنا أقرأ لشيخ مطّلع على إرث ابن تيمية.. خبَر تراثه وسبره؛ وأعني به الشيخ: محمد الدحيم.
في محاضرته الأخيرة بجدة قال إنه ليس راضياً عن كل مراحل ابن تيمية، منطلقاً من اطلاعه الدقيق على تراثه. يقول الشيخ الدحيم: “ابن تيمية مرّ بمراحل وبعضها أنا لا أرتضيها وهو أيضاً لا يرتضيها، وهناك مشكلة عدم فهم لابن تيمية من بعض أتباعه وقد أخطؤوا في فهمه، والطامة الكبرى أن يأتي أحدهم بعد 600 عام ليُطبق بعض ما فهمه خطأ!”.
قلتُ: ولم يظلم الفقهاء الكبار في الإسلام كما ظلمهم بعض أتباعهم. يُحمّل الأتباع نصوص أئمتهم أكثر من طاقتها، وتضعها في مرتبة التقديس. امتاز ابن تيمية بخاصية نقده لذاته، كان هذا الإمام يمتلك ضميراً واخزاً يجعله يبدئ ويعيد في ما طرحه. ينقل الشيخ الدحيم عن ابن تيمية أنه قال في آخر حياته: “أنا لا أكفّر أحداً من أهل القبلة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لما اشتغلت بغير القرآن”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: هذه التحليلات الممتازة في مجال الفقه الشرعي، بل والفكر الديني، هي ما نحتاجه في سبيل إخراج التراث من خانات التقديس والانبهار الأعمى، إلى مرحلة الفحص والكشف، ما نحتاجه نأخذه وما يضرنا نستغني عنه، لأن نصوص أئمة الإسلام ليست مقدّسة. ولو اعتقد أحد أن نصاً لبشرٍ من البشر لا يمكن نقده فإنه يضع تلك النصوص البشرية في مرتبة الوحي وهذه مشكلة عقدية تحتاج إلى حلّ!
شكراً للشيخ الدحيم على هذه الإضافات العلمية الرصينة التي تـُنير الطريق أمام الحائرين في مسألة التعامل مع حمولة تراث ضخمة.. نتمنى أن نقرأ كتبه في القريب العاجل.
جميع الحقوق محفوظة 2019