من الناس من لا يستوعب أن هناك كبير فرق بين النصيحة والحوار، النصيحة تنطلق من رؤية داخلية لدى الإنسان أنه أفضل من غيره، وأن نواقص غيره كثيرة ويجب أن تُعدل، والحوار هو انطلاق من طرفين بالكلام والنقاش من أجل الوصول إلى مبررات كل طرف لاختيار ذلك الرأي دون غيره.
أكثر الذين يتوهمون أنهم يحاورون أو يناقشون ليسوا سوى مناصحين. والنصيحة تكون محمودة حين تكون صادقة وملتزمة بشروط النصح، مثل الأدب وحسن اللفظ، وفي القرآن أوصى الله موسى أن يقول لفرعون قولاً ليناً، وموسى خير من المناصحين جميعاً. والمناصَحون أقل سوءاً وفسقاً من فرعون بالتأكيد.
إذن لا مفر من استخدام الأساليب المؤدبة في النصيحة ساعة الاضطرار إليها.
كان الشافعي يقول: “اكسُ ألفاظك”. بعض الألفاظ الجارحة تشلّ الآذان حتى تكون النصيحة مزعجة، فكسوة الألفاظ بالأدب والسمت خير ما يعبر عن إنسانية الإنسان ومستوى تدينه قبل كل شيء. المزعج أن ترى بعض الذين يعتقدون أنهم وصلوا إلى الكمال كله يتحدثون مع كل المخالفين بنبرة استعلاء وتهديد ووعيد، وهذا خطر على المستوى الأمني والديني. الذين يرسلون رسائل فيها تهديد للكتاب أو المخالفين ارتكبوا جريمتين، الأولى أنهم تورطوا بالتهديد النفسي واستخدام التقنية الإلكترونية لغرض الانقضاض على شخصٍ والنيل منه نفسياً أو معنوياً.
ولحسن الحظ فإن الدولة وضعت نظاماً واضحاً لمكافحة الجرائم الإلكترونية. والخطأ الثاني أنهم يتشدقون بالتدين وهو منهم بريء.
لا أدري كيف تحتوي بعض الأفواه على كلماتٍ يطلقها بعضهم متوهماً أنه ينصح الناس، وهو يجرم بحقهم، يتوهم أنه ينصحهم وهو في الواقع ينفرهم من منهجه وأسلوبه.
حين يكون أسلوب شخصٍ ما سيئاً وبذيئاً، فإن منهجه الذي يدعو الناس إليه بالتأكيد لن يكون جذاباً. وفي القرآن: “ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”. هذه الآية في محمد بن عبدالله، نبي الإسلام، وهو خير من كل الناصحين الذين يستخدمون أسوأ الألفاظ وأكثرها بذاءةً من أجل ما يزعمون أنه نشرٌ للدين.
ياليتنا نستوعب ونتعلم الآداب في الحوار والنقاش والسلوك، حين نفعل ذلك نكون قد قدمنا أنفسنا كنماذج جذابة تسحر الآخرين حتى من دون كثير كلام وضجيج!