يروّج منذ فترة للكتب التي تتحدث عن إيقاظ القوى الخفية، أو التي تتحدث عن كيفية أن تكون مليونيراً خلال سنواتٍ قليلة، مع أن المؤلفين لو كانوا أدركوا كيفية العثور على تلك النتائج لما تفرغوا للتأليف أصلاً، ولاتجهوا إلى الملايين التي أسسوها بناءً على هذه المؤلفات. الحديث عن إيقاظ القوى والعثور على أسرار النجاح المادي أو العملي قد تكون فيها وصايا وقصص جميلة، عن نجاحاتٍ للتجار أو العباقرة، لكن لا يمكن أن تكون تلك الوصايا هي النبراس الوحيد للوصول إلى النجاح، لأن النجاح في المعرفة أو الكتابة، أو الشعر أو الأدب، أو في التجارة والصناعة، أو في الدراسة والطبابة، هي نتاج تجارب الإنسان في حياته، وهي خليط من مجموع ظروفه، حينها يصنع تجربته الأساسية في النجاح. مثلاً يطرح بعضهم الزواج كوسيلة للنجاح، بينما هناك عباقرة كثر لم يتزوجوا، أو فشلوا أسرياً، كما يتحدثون عن الأوقات الصباحية في للتفكير مع أن أينشتاين يجد في الليل فرصةً للتأمل في أسراره وأسئلته، ويتحدثون عن التعليم منذ الصغر بينما هناك عباقرة لم يدرسوا في التعليم النظامي ولم يكملوا تعليمهم مثل بيل جيتس. ويتحدثون عن الأخلاق، بينما فرانسيس بيكون وشى بأصدقائه وأعدم بعضهم حتى يصل إلى منصبه في الدولة وحصل له ذلك… إذن لكل شيء استثناءات، ولكل قاعدة ما ينقضها، فالإلحاح على أن هذه القاعدة ثابتة وأبدية يعبر عن استعجال في رسم المنهج، لهذا لا يجب أن نأخذ أمثال تلك الكتب نبراساً نهائياً للوصول إلى الأهداف التي نود الوصول إليها. لكن مما يبعث على الإبداع برأيي أن تتم قراءة تجارب الآخرين، من خلال مذكرات الزعماء والزعيمات، ولحسن الحظ الكثير من المذكرات مترجمة للعربية، مثل مذكرات الرؤساء الأميركيين، ووزراء الخارجية، والوزيرات في أوروبا، المذكرات تعطي القارئ الدروس من دون شرح، وتعطيه قواعد من دون تقعيد. لأن التشابه بين الصعوبات التي تعترض طريقك وبين ما تقرأه في هذه المذكرات أو تلك تعطيك الدافع للاستمرارية والنجاح، لهذا أعتبر المذكرات أهم من القواعد التي تتحدث عن خبايا وخفايا وأسرار للإبداع والنجاح والتجارة والعثور على المليارات خلال بضع سنين. إن النجاح لا يدرس وإنما يكتسب بالتجربة، وليس شرطاً أن تكون ناجحاً أن تقلد هذا المبدع أو ذاك، بل على العكس جمال النجاح في تميزه واختلافه، فهناك عشرات الفيزيائيين في العالم، لكن الذين نجحوا في التميز قلة مثل أينشتاين ونيوتن وستيفن هوكنج وستيفن واينبرج وسواهم. إن أولئك العباقرة لم يقلد بعضهم بعضا، بل اعتمدوا على تميز وفرادة تجربتهم ليصلوا إلى ما وصلوا إليه، النجاح اكتساب لا تدريس، الإنسان نفسه هو الذي يدرس طرق نجاحه. حين تكون موهبة الإنسان في الأدب فإن المدخل إلى النجاح في قراءة تجارب العمالقة في هذا المجال، وكذلك الأمر لمن هوايته الطب أو الفيزياء أو الكيمياء، لأن المذكرات تسرد صعوبات ربما تتفق وصعوباتٍ يمر بها الإنسان. أما أن يتجه البعض لشراء الكتب من أجل النجاح السريع مادياً أو علمياً فهذه ربما تمنح البعض الطاقة أو القواعد المفيدة، لكن ليس بالضرورة أن تمنحه القدرة على النجاح التام في هذا المجال أو ذاك، بل الإصرار والقراءة في التخصص، واختيار التخصص الذي يريده الإنسان ويعشقه ليكون موضع تركيزه واهتمامه تلك خطوات أساسية في الطريق إلى الإبداع والتميز، ولتكن مثلاً قراءة السير الذاتية من خلال الموسوعات أساساً لكسب الإصرار، هناك الكثير من الكتب التي تحكي سير العباقرة فلنقرأها، ولنجرب، فربما أمدتنا تجاربهم وقوداً لتجاربنا الآتية.
جميع الحقوق محفوظة 2019