و«الكُلِّيَاتِ» هو كتاب أبي البقاء الكفوي، أيوب بن موسى الحسيني، الحنفي، وكُتِبَ على الغلاف: «معجم في المصطلحات والفروق اللغوية».
كليات الكفوي موسوعة صغيرة في كتاب، أصبح اليوم واسع الانتشار، ذائع الصيت، كثير التداول، واستفاد منه المختصون وغير المختصين، وصار مرجعاً في فنون مختلفة.
ولد الكفوي، في كفا بالقرم، سنة 1028هـ – 1619م، والمدينة ضمن شبه جزيرة القرم، الواقعة جنوب أوكرانيا، وهي تتبع الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1475م، وحتى دخلت ضمن الأراضي الروسية في عام 1783م، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، أصبحت القرم تابعةً لأوكرانيا.
فالكفوي أوكراني الجذور، تفقه في نشأته ببلدته على المذهب الحنفي، وبعد تأسيس عِلميٍّ، استُدعِي إلى الآستانة، وعُيِّن قاضياً بها، ثم عاد إلى كفا، ثم عُيِّنَ قاضياً بالقدس، ثم ببغداد، وعاد بعدها إلى إسطنبول وتوفي بها، ودفن بتربة خالد عام 1094هـ – 1684م. ولا يُعرف عن الكفوي الذي ألَّفَ هذا المصنف البديع، باللغة العربية، إلا المعلومات السابقة، ولم يصلنا له غير «الكُلِّيَاتِ»، وإن ذُكر أنَّه وَضَعَ باللغة التركية كتاباً في الفقه الحنفي.
وظهر في «الكُلِّيَاتِ» تبحرُ أبي البقاء بالفقه الحنفي، وإحاطتُه بفقه المذاهب الباقية، وتمكُّنه من الفنون والمعارف الأخرى، ما انعكس على ثراء معجمه الموسوعي، الذي بات مرجعاً رئيسياً لطلبة العلم.
يقول الدكتور محمود الطناحي: «وهذا الكتاب من أعظم الكتب وأنفعها، وإني أنصح به كل طالب علم».
ومن إبداع «الكُلِّيَاتِ» أنَّه معينٌ على تفسير آيات القرآن الكريم، ففي عام 2017، جمعَ عبد الغني يوسف عبد الغني معاني الكلمات القرآنية المفسرة بكليات الكفوي في كتاب، جاء في 173 صفحة، سمَّاه: «مفردات القرآن الكريم لأبي البقاء الكفوي، تفسير وإيضاح».
ويضم «الكُلِّيَاتِ» نحو 6 آلاف مادة، صُنِّفَت على حروف المعجم، وعادة ما يذكر الكفوي اللفظ، ثم يورد معناه، مُبيناً أصله الاشتقاقي، وكيفية استعمال القدماء والمحدثين له، ثم يبين معناه اللغوي، ومعناه الاصطلاحي عند أهل الفن، ثم معناه العرفي، جامعاً بذلك ما اصطلح عليه السابقون والمعاصرون عن اللفظ.
ومن العجب أن الكتاب يتطرَّق لمعاني اللفظ في العلوم الفلكية، والفيزياء، والطب، والرياضيات، والعمران، والفلسفة، وعلم الكلام، والمنطق، وأصول الفقه، والتاريخ، والحكمة، ومصطلحات اللفظ لغوياً، ونحوياً، وصرفياً، وبلاغياً، وفنوناً أخرى، منذ نَشَأَتها عند العرب، وحتى القرن الحادي عشر الهجري، زمن تأليف الكتاب الأعجوبة.
ولا تكاد تنهي فقرةً من الكتاب، إلا والتي تليها مطرزةٌ بفرق جَلِيٍّ من الفروق بين كلمة وأختها، وربما تلحظ التعليقَ على لفظ بمعنى خَفِيٍّ، والإشارة في غيرها لشاهد عَلِيٍّ، كما ستبصر فائدةً هنا، وفريدةً هناك، وتفريقاً يُقدِّرُهُ المجتهد، واستطراداً يستطيبهُ الراغب، وإبحاراً في فَنٍ لا يخطر ببالِ الطالب.
ولنقف على مثال لبعض الفوائد، ففي «الكُلِّيَاتِ»، إن اللفظ: «الهجاء: ككساء، هو تقطيع اللفظة بحروفها. وهذا على هجاء هذا: أي على شكله، وهو لفظ مشترك بين الذم، وبين النطق بحروف المعجم، وبين كتابة الألفاظ التي تركبت من تلك الحروف. والهجاء: مصدر (هجوت زيداً). والتهجي: مصدر (تهجَّيت الكلمة). [ويقال: هجوت الحروف وهجيتها وتهجّيتها: أي عددتها بأساميها. وإذا عددت الحروفَ ملفوظة بأنفسها لم يكن ذلك تهجياً]. وقد وضعوا للإنسان بما وُصِفَ به أسماء: فما وُصِفَ به من الشجاعة، والشِّدة في الحرب، والصبر في مواطنها، يُسَمَّى حماسة وبسالة. وما وصف به من حسب، وكرم وطيب محتد، يُسَمَّى مدحاً وفخراً وتقريظاً. وما أُثنِيَ عليه بشيء من ذلك ميتاً، يُسَمَّى رثاءً وتأبيناً. وما وُصِفَ به من أخلاقه الحميدة، يُسَمَّى أدباً. وما وُصِفَ به من أخلاقه الذميمة، يُسَمَّى هجاءً. وما وَصَفَ به النساء، من حُسنٍ وجَمَالٍ وغرامٍ بهنَّ، يُسَمَّى غَزَلَاً ونَسِيبَاً».
يقول الكفوي إنَّ «الأرق: هو ما استدعاك، والسهر: ما استدعيته، وقيل: السهر في الشر والخير، والأرق لا يكون إلا في المكروه».
وفي «الكليات» لأبي البقاء: «(السخر): كل مَا فِي الْقُرْآن من سخر فَهُوَ الِاسْتِهْزَاء، إِلَّا (سخرياً) فِي (الزخرف)، فإنَّ المُرَاد التسخير والاستخدام». «الْكَرم: إِن كَانَ بِمَال فَهُوَ جود، وَإِن كَانَ بكفِّ ضَرَر مَعَ الْقُدْرَة فَهُوَ عَفْو، وَإِن كَانَ ببذل النَّفس فَهُوَ شجاعة».