تحدثتُ عن القامة الوطنية الكبيرة: عبد الكريم الجهيمان، رحمه الله، الذي رحل عن دنيانا قبل أيام، فهو الأب للصحافة والمؤثر على مسار البحث والثقافة في السعودية، وضربتُ على قياديته في التنمية والرؤى التنويرية مثلاً بابنته ليلى، والتي ذكر زميلي الأستاذ محمد السيف أنها:” فُصلت من المدرسة المتوسطة بقرارٍ من رئيس تعليم البنات آنذاك، ومن ثم ابتعثها (والدها) إلى أميركا وهي أستاذة كيمياء اليوم”، وحين نقلتُ المعلومة أرسلت لي تصحيحاً حيث ذكرت لي في رسالتها: “أرجو تصحيح المعلومة التي ذكرت حيث إنني لم أفصل من المدرسة المتوسطة بل درست في المتوسطة الثانية وتخرجت من الثانوية الأولى بالرياض”. ومن حق الدكتورة أن نصحح خطأ ورد في مقالي وإن كنت نقلته نقلاً.
يبقى الجهيمان ريادياً في بحثه وتنقيبه، في سجاله ونضاله، ولن نجد أكثر من ليلى لتتحدث عن والدها، إذ كتبت لي بأسلوب متدفق عنه: “كل فتاة بأبيها معجبة، ولكن عندما يكون الأب عظيماً مثل عبد الكريم الجهيمان تكون للإعجاب أبعاد لا متناهية.. احترم (رحمه الله) المرأة كثيراً وقدرها طوال حياته، فأمه رحمها الله سارة صالح السبيهين، كانت تدفعه للعلم، فحفظ القرآن في صغره، وظل يتعهده بالقراءة طوال حياته. كان رحمه الله يتمنى أن يكون أحد أبنائه طبيباً، ابتدأ أخي سهيل بدراسة الطب، ولم يجد نفسه فيها، فحول إلى الهندسة فاحترم والدي رغبته. كنتُ وقتها أدرس في الثانوية الأولى بالرياض، وتخرجت بامتياز، وقررت دراسة الطب، إكراماً لوالدي الحبيب. اجتهدت، وحصلت على امتياز في إعدادي الطب، ولكني لم أجد نفسي أيضاً في عالم الطب، بل وجدتُ نفسي في عالم الكيمياء، ورغبت في إكمال الدراسة، مع إخوتي في أميركا، وصارحت والدي، الذي علّمنا دائماً، الحوار، واحترام الآخر، كما علمنا الصدق، مع أنفسنا أولاً، ومع الناس ثانياً، فاحترم رغبتي، ووافق على إرسالي على حسابه الخاص”.
قلتُ: ولا أجلّ من تعليم الأبناء، وتلبية رغباتهم المعرفية، في زمنٍ تلبى فيه الرغبات الاستهلاكية، وهذه البيئة التي أنشأها الجهيمان هي التي تصنع من الأوطان صروحاً عالمية، حيث يكون الأبناء حارثين في حقول العلم لبذر نتاجهم في أوطانهم ليزهر الوطن بهم.. هكذا كانت رؤيته التنويرية واحترامه للعلم ولطلاب العلم من أبنائه وذويه.
قال أبو عبدالله غفر الله له: تصف ليلى والدها في خطاب حميمي توجهه إليه فتقول: “لم تكن ليبرالياً يا والدي ولا متعصباً دينياً، بل كنت مسلماً وسطياً، حفظت القرآن صغيراً، وتدارسته حتى آخر أيامك”.
رحم الله أستاذنا الفقيد، وأسكنه فسيح جناته، عزاؤنا الأكبر أن نوره بقي مشعاً، فقد عبّد طريقاً من النور تسلكه الأجيال.