كان الخبر مفجعاً· أنباء الفاجعة لم تكن لذات الخبر فقط، بل للمفارقات التي تحتويها المعادلة المجنونة!
المخرج العربي العالمي مصطفى العقاد المولود في حلب عام 1933 والذي وصل الى هوليوود في عام 1954 وقدم فيلم ”الرسالة” متحدثاً فيه بشكل سينمائي رائع عن رسالة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عبر موطن السينما العالمية هوليوود، وباللغة الانجليزية إلى جانب العربية، مات متأثراً بجراحه التي أصيب بها في تفجيرات إرهابية استهدفت ثلاثة فنادق في العاصمة الأردنية عمّان، وتبنتها عناصر من تنظيم ”القاعدة” التي تقول إنها تدافع عن الإسلام، وتنتهج القتل للتعبير عن مقاصدها والدفاع عن أهدافها!
مصطفى العقاد قاتل في هوليوود ليضع له قدماً ينافح فيه عن إسلامه، ولم يكن سهلاً أن يقدم قبل ثلاثين عاماً فيلماً عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بصناعة هوليوودية، والأمر ذاته عندما قدم قصة كفاح وجهاد عمر المختار، وبممثلين عالميين· ”القاعدة” تقتل مصطفى العقاد كما قتلت الآلاف معه وقبله ويبدو أنها ماضية في طريق القتل هذا! أليس هذا جنوناً؟! بالتأكيد هو كذلك·
ليل الجمعة- السبت حيث أعلن نبأ رحيل العقاد بثت إحدى القنوات العربية فيلم الرسالة ورافق الفيلم هذا النص: ”رجل تكبد الكثير، من أجل قضية آمن بها· المخرج العربي العالمي مصطفى العقاد غادرنا اليوم تاركاً لنا ”الرسالة” علّنا نقرؤها بمزيد من الأصغاء·· لكن الرسالة لم تصل!”·
في ذات الليلة أرسل لي صديق متدين هذه الرسالة:”عاش العقاد ليوصل صورة مشرفة عن الإسلام، و”القاعدة” التي تدعي نصرة الإسلام تقتله!”· صديق آخر قال: ”كنا إذا ما فرغنا من مشاهدة فيلم لمصطفى العقاد، نشعر بالفخر والزهو كوننا مسلمين، واليوم نخفي انتماءنا للإسلام بعد كل عملية للقاعدة”·
تذكرت كيف كنا في الولايات المتحدة، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر نضطر إلى التخفي خلف جنسيات لا علاقة لنا بها، ولا تكون مظنة ارتباط بعروبة أو إسلام، حتى نتجنب الربط بيننا وبين أعمال ”القاعدة” التدميرية، وأفعالها التخريبية، بل ولننقذ أنفسنا من غضب الشارع هناك! والأمر ذاته قاله لي أصدقاء مسلمون وعرب في أوروبا!
كم من الأموال أنفقت على ”القاعدة”، سواء كان المنفق يعلم أنه سيدفع إلى هؤلاء القتلة باسم الدين والدين منهم براء أم لا؟!
تخيلوا لو أن هذه الأموال أنفقت لإنتاج أفلام كالتي أفنى العقاد عمره في صناعتها، وساهمت في تقديم صورة إيجابية عن هويتنا وثقافتنا·· تخيلوا لو كان لدينا مثل ”الرسالة”، و”عمر المختار”، و”صلاح الدين” الذي قضى العقاد سنوات عمره الأخيرة وهو يبحث عمن يموله ليقدمه برؤية هوليوودية عالمية مؤثرة، هل كان أحد سيخجل من أن يقول إنه عربي أو مسلم في نيويورك أو مدريد أو لندن؟!
عشرون عاماً والعقاد، رحمه الله، يتحدث عن فرص العثور على ممول لتقديم فيلم صلاح الدين!
لم تحتج ”القاعدة” إلى هذه السنوات كلها لتنشر القتل والتفجير وتسيء إلى الإسلام وتشوه صورة العرب والمسلمين!
هل المشكلة تكمن في أن الهدم أسهل من البناء؟ أم أنها المعادلة المجنونة التي تحدثنا عنها في البداية؟!
أخشى أن يموت الكثير من أمثال العقاد، وينتشر الكثير من أمثال الزرقاوي، فلا نضطر إلى أن نخفي صلتنا بالإسلام والعروبة في نيويورك ومدريد ولندن وموسكو، بل نضطر يوماً إلى أن نخفيها في مدننا العربية وعواصمنا الإسلامية؟!
جميع الحقوق محفوظة 2019