يحكى أن أحدهم ومع ضمور “النسبية” في تفكيره كان يطارد الناس يريد إقناعهم بأفكاره، وحين ملّ منه بعض من يستهدفهم بمحاولات النصح والإقناع؛ جاءه إلى البيت طارقاً بابه يريد استئناف مهرجان النصح الذي يظنّ أنه حوار!
يحدث هذا اليوم حيث يطاردك أحدهم ليقنعك برأيه، وحين تستمع إلى كل الحجج وتبقى على رأيك وتختار بمحض إرادتك الرأي الذي يقنعك يلاحقك، ويطاردك، ثم تحاوره ويعيد عليك نفس الحجج، وهكذا، فيضيع وقتك ووقته، ويستغرق جهدك. بينما لو كانت النسبية حاضرةً في تفكيره لعلم أن لكلٍ وجهة هو موليها، وأن الناس أحرار في آرائهم ما لم يعتد أحد على أحد، أو أن تكون الآراء تمس حريات الآخرين أو أمنهم.
ليس شرطاً أن تكون آراؤنا هي الحلول للعالم، كما أن رأيك أيضاً ليس هو الرأي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والعقلاء هم الذين يطرحون آراءهم ويمضون، ثم يحاورون ويطرحون رأيهم بكامل الحجج ويتركون الطرف الآخر على رأيه. كذلك كنا في العصور الذهبية التي مضت، كان الشافعي يقابل شخصاً لحواره، ومن شدة التجرد والنسبية في رؤية الحق كان الشافعي يخرج وقد اقتنع برأي الطرف الآخر، بل هو رحمه الله، صاحب المقولة العظيمة: “رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب”!
الهدف من الحوار ليس فقط إقناع الشخص المقابل وإنما اختبار الفكرة وامتحانها حين يتم طرحها على الآخرين، كما أن الآخر لا يجب عليه أن يقتنع بفكرتك.
تطرح في بعض الأحايين أساليب ظاهرها الحوار وباطنها النصيحة، حيث تستبعد نسبية الأفكار وإمكانية خطئها، كما أن الأفهام تختلف بين بعضها البعض في إدراك الفكرة أو الاقتناع بها أو التجاوب معها. من المعروف أن الفكر الحي ذلك الذي يكون حوارياً، لكن أن يكون الحوار نصيحة فإن هذا مما يعطل فاعلية الحوار أصلاً ويذهب قيمته.
قال أبو عبدالله غفر الله له: ليكن الحوار أشبه بـ”المنالوج” الفكري، بحيث تمنح الآراء حقها بالنبض من خلال شخصيتين، أو رأيين، حين يكون هذا الأسلوب هو المعمول به في حياتنا العلمية نعلم أن ملاحقة الآخرين في بيوتهم أو بإيميلاتهم لغرض فرض الفكرة فرضاً، فهذا لا علاقة له بالحوار الحضاري المتطور. ليكن الحوار أرقى من الدوران في فلك حججٍ تكرر ثم ما إن تشكره وتمضي إلا ويلحق بك ملحاً أن تقتنع برأيه، وربما شعر بالغضب إن لم تقتنع برأيه، هذا النموذج من الناس قد ضمرت لديه “نسبية الحق” وأصبح يسير بقناعاتٍ ملزمة يفرضها بالسوط اللساني على الآخرين!