في السبعينيات الميلادية قال الشاعر البريطاني روديارد كبلنج مقولة شهيرة شرقت وغربت وهي: “الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا”، وما علم صاحبنا أن الموعد في “دبي”، موعد لقاء العشاق، وإن كان أحدهما شرقيا والآخر غربياً.
“الشرق والغرب يلتقيان”، التقى الشرق والغرب في متحف داهش المقام حالياً ولمدة شهر في “دبي” وهو معرض للفن يحتضن مجموعات من عبق الشرق في معروضاته ومقتنياته، يعرضها منذ سنوات في قلب منهاتن.
قبل سنوات كنت أزور متحف اللوفر بباريس. ذهبتُ لمشاهدة المونوليزا، كانت الجموع تزدحم حول المونوليزا، ويبعد أقربهم عنها نحواً من ثلاثة أمتار. جاءت طفلة لم تتجاوز التسع سنوات. قربها الحارس أكثر من غيرها، فلما أصبحت في حضرة اللوحة أقفلت عينيها لعشرين ثانية ثم فتحتهما على اللوحة. بدت الطفلة كما لو كانت تريد أن تعزل المشهد البصري عن أي شيء سوى اللوحة.
حملت الحضارة الإسلامية الكثير من المعالم الفنيّة الخلابة، وفنّ الزخرفة الإسلامية مصدر اعتزاز بالنسبة للمسلمين، يقول عبدالرحمن بدوي في كتابه “دور العرب في تكوين الفكر الأوروبي”: “إن الخط الكوفي هو باعتراف كبار مؤرخي الفن أجمل خط عرفه الإنسان، لهذا كان تأثيره على الفنانين الأوروبيين عميقاً كل العمق، ومن ثم سرعان ما قلدوه. ومن هنا نجد زخرفات كوفية في أبواب وواجهات كثير من الكنائس في أوروبا في العصر الوسيط، بل وأيضاً نجدها في زخرفة الأثاثات “الموبيليات” وخصوصاً في باب كنيسة بوى وكانت العاصمة القديمة لمقاطعة فيليه بحوض اللوار الأعلى في غربي فرنسا، وكذلك في واجهات كثير من الكنائس الرومانية في غربي فرنسا. والغريب أننا نجد في هذه النقوش تحميدات إسلامية، نقلها الفنان الأوروبي المسيحي دون أن يتبين معناها! وأحياناً أخرى نجد الفنان الأوروبي قد عبث بالحروف حتى أصبح من غير الممكن قراءتها لأنه لم يكن يفهم معناها، وكان يشكل فيها على هواه”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: إن الفنون الإسلامية بشكلٍ عام منحت العلاقة بين الشرق والغرب فرصة التقاءٍ كبيرة، كان الشاعر الألماني الشهير “جوته” من المعجبين بالفنون الإسلامية وبالشعر العربي، لهذا فقد كان علامةً ثقافية بارزة جمعت بين التكوين الأوروبي والتأثر الشرقي، بل إنه أيضا استفاد من الثقافات في فارس والهند، لهذا من الواضح أن ما تفسده الأفكار يصلحه الشعر والفن والأدب وكل مجالات الجمال المتصالحة مع البشر بمختلف انتماءاتهم واهتماماتهم.
شكراً لهذا المعرض الرائع الذي أسرني بما ضمه من زخارف أعادت لنا ذكريات مجدنا الإسلامي الزاهي!