حين جاء بشار الأسد إلى السلطة ظهر ما عرف بـ”ربيع دمشق” حيث تفاءلت الأوساط الثقافية والصحافية والاجتماعية بمجيئه، لأنه شاب ومتعلم ومثقف وطبيب، لم يأت من زواريب العسكر، أو من جيوب الاستخبارات -هكذا ظنوا- كانت رؤيتهم إيجابيةً بحتة، وقد ساق تفاصيلها الصحفي اللبناني: سمير قصير في كتابه:”ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان، البحث عن ربيع دمشق” إلى أن أخذ “الأسد” يسجن المثقفين والصحفيين، حينها عرفوا أن “حليمة رجعت إلى عادتها القديمة”. الذي يجري في سوريا الآن نتيجةً من نتائج فشل “ربيع دمشق”، تلك النفحة الإيجابية التي تولدت من حسن ظنٍ اجتماعي بمجيء بشار، حسن ظنٍ سرعان ما تبخر، وحين بدأت الاغتيالات في لبنان والدعم الواضح لتنظيم “القاعدة” في العراق وغير العراق، وحين ورط النظام السوري بلاده بمآزق هي في غنىً عنها، بدأت التساؤلات، وأخذت أصوات الاحتجاج تكبر، حتى تبلورت مع ما سمي بـ”الربيع العربي” لتخرج هذه الجموع مطالبةً بإسقاط النظام، والنظام لا يكلّ ولا يمل من إسقاط القتلى، في كل يوم نسمع عن عشرين وثلاثين وأربعين قتيلاً، وحين شعر النظام السوري بالإحراج والمأزق اخترع قصص تسلح المتظاهرين، وانضمام “القاعدة” بين صفوفهم، وها هي اليوم الجامعة العربية تتراوح في مواقفها بين الجمود الدائم، والفعالية والسخونة الطارئة. وبتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية مساء السبت 12 نوفمبر بات من الصعب على النظام الإفلات من القبضة الدولية، مع أن وزير خارجية قطر حمد بن جاسم نفى إمكانية تدويل الملف السوري في الوقت الحالي، غير أن التدويل لا يحتاج إلى قرار، لأن مجرد عجز الدول العربية عن لجم النظام السوري ورفع يده عن شعبه يعني أن المأزق لم يعد حكراً على سوريا أو العرب، بل باتت المسألة إنسانية وبشرية، ولا يمكن للعالم أن يتفرج على هذه الفوضى، وقد ضربت في كل اتجاه! المأزق السوري الحالي لا يمكن أن يحل سلمياً إلا من خلال النظام نفسه، إن استطاع أن يعترف ببشرية المتظاهرين وأحقيتهم بالحديث والكلام، والرأي والتعبير، وأن لا تكون “جرذنة الشعوب” سلوكاً متكرراً لدى بعض الأنظمة القمعية، فالشعوب ليست جرذاناً ولها حقّ الحديث والتعبير والإبداء للرأي والتعبير عن الموافقة أو الرفض. إن الفرص تأتي كالشهب بشكلٍ خاطف ومن دون ترتيب وهي لا تتكرر، كانت فرصة النظام في إصلاح نفسه ماثلةً أمامه قبل أشهر غير أن الخناق يضيق عليه اليوم، وهذه المشكلة يشخصها الأكاديمي شفيق الغبرا حين قال:”إن استمرار حكم الطوارئ في سوريا على مدى ثمانية وأربعين عاماً، رغم الإلغاء الاسمي مؤخراً، دليل واضح على فشل الإصلاحات التي وعد بها بشار الشعبَ السوري عندما تسلم الحكم من والده عام 2000. وأمام هذا الفشل،اتجه النظام بعد التوريث الأول والأخير في الجمهوريات العربية نحو القمع والحلول الأمنية. وكلما اعتمدت الدولة على الحلول الأمنية، اقترن ذلك بتراجع شرعيتها وفشل أجهزتها المدنية في تحقيق طموحات المجتمع”! لا يمكن لأي نظامٍ أن ينجو بنفسه من خلال قتل شعبه، هذه سنة تاريخية. الأنظمة التي تقتل الشعوب تحفر قبرها بنفسها، هكذا كانت نهاية القذافي الدامية، والذي كان قبل أشهرٍ قليلة يخطب بأن معه الملايين وأن المتظاهرين حفنة من الجرذان وأن وراءه الملايين ستنقذه من كل هذه الفوضى، وأنه سيمر على ليبيا “بيتاً بيتاً”! الأسلحة لا تنجي الأنظمة، معظم الأنظمة التي سقطت كانت تحمل ترساناتٍ عسكرية ضخمة، من نظام صدام إلى نظام القذافي، القوة لأي سياسة في اعتراف الشعب بها، لكن المشكلة أن يعتبر النظام نفسه “حارس قطعان” أو أنه وصيّ على جحورٍ “للجرذان” هذه هي المصيبة!
جميع الحقوق محفوظة 2019