يعيش العالم العربي اليوم خضات خطيرة، أدت إلى اصطفاف طائفي. انقسم الناس حول هذه الخضات، فمن معتبر لها بأنها ثورات حقيقية كاملة الشروط، ومنهم من يراها تخريباً وهدماً، لكن الأكيد أنه حراك يستحق التأمل والتفكير. مستشارة الرئيس السوري: بثينة شعبان، تعتبر ما يجري في سورياً بأنه “مخطط طائفي”، ونحن اعتبرنا ما يجري في البحرين بأنه “مخطط طائفي”، ومهما كانت مبالغات السوريين في تكريس الطائفة في مشهد الثورة السورية الآتية من “درعا”، إلا أن من الجميل أن نبحث عن الأسس الخطيرة، التي تبنى عليها الطائفية كسلوك اجتماعي خطير يهدد السلم ويكرس النزاع والحرب. الطائفية طريقة تفكير خلاصتها: أنا من يمتلك التفسير الصحيح للنص الإسلامي، وأنا الذي فهمت القرآن بشكلٍ صائب، أما أنت أيها المخالف فإنك على ضلال، والنصوص التي تستشهدون بها لويتم أعناقها لتكون في صالحكم. الفكرة الرئيسية للطائفية، تقوم على الاصطفاء، فهذه الطائفة خير من تلك، ثم ترد الطائفة الأخرى بأنها خير من كل الطوائف. المشهد في لبنان بات واضحاً، هناك 26 طائفة، والنظام السياسي اللبناني كله قائم على المحاصصة الطائفية، ومظاهرات الشباب في لبنان لإلغاء الطائفية جديرة بالاحترام والتشجيع، وفي العراق الشيء ذاته، محاصصة طائفية على أسس عرقية أحياناً، ودينية أحياناً وطائفية في أحيانٍ أخرى. شاهدتُ مقطعاً على “اليوتيوب”: يبدو فيه شيخ سلفي، وآخر أشعري، في حوار طويل عريض على حلقاتٍ عديدة أساس المسألة التي يبحثون فيها: “إثبات صفة الجنْب لله”، وكل يأتي بردٍ، والآخر يرد على الرد وهكذا، حتى أنني جزمتُ أنه “جدل بيزنطي”، بل إن الله جل جلاله يجب أن ينزّه عن مثل هذا الجدل المستفز لمشاعر الناس، لأن المسألة التي يناقشونها ليست ضرورية ولا تهم آحاد الناس، بل إنه تشقيق في مسائل تعزز الطائفية والتعصب والتخندق. في كتابه: “قواعد التنوير” يصدره الدكتور محمد الحداد بفصل عنوانه: “في الحوار شرطاً من شروط المعنى”، وفيه يفرق بين الحوار والجدل، معتبراً أن: “من نافلة القول التأكيد على أن الحوار هو غير الجدل، الذي يقصد منه تغلب طرفٍ على آخر، الحوار تواصل يسعى إلى تحقيق بعض الوفاق بين البشر في ما يمكن أن يكون موضوع وفاق بينهم، وهو مفيد لكل طرف لأنه يفتح أمامه تجارب أخرى، ويوسع من حوله دائرةً الممكنات التأويلية بما لم يكن يخطر على البال لو بقي التفكير منحصراً في الإطار الفردي أو في إطار نسق ثقافي واحد”. وما أكثر ما انشغل الناس، بالجدل في الجزئيات الصغيرة التي لا يمكن أن تكون مما يهم الناس في دينهم أو دنياهم، يضيف الحداد: “ننظر من حولنا فنرى الناس منشغلين بقضية التبرك ببول الرسول ورضاعة الكبير، لتحلّ الخلوة بين الرجل والمرأة في العمل، أو هل يعتبر حمل امرأةٍ في سيارة إسعاف خلوة مع الرجال، إذا خلت السيارة من امرأةٍ أخرى، وعلماء السُنة والشيعة يتشاتمون وكأننا خرجنا من سقيفة بني ساعدة، ويوماً يفجّر مسجد ويوماً يفجر مزار، وقد أصبح تأثير وعاظ المساجد والفضائيات أكبر بكثيرٍ من تأثير المثقفين”. إن الفوضى التي تدور حالياً في الحوار، والخلط الحاصل بين الحوار والجدل والنصيحة كلها تعزز من تفاعل الناس مع الطائفية، المشكلة أننا نعرف جيداً الكثير من الطائفيين ينتمون إلى الطائفة كما ينتمي الناس إلى القبائل، سلوكٌ أقل تديناً وعصبية أكثر طائفية، ما يذكرنا بقول جبران خليل جبران: “الويل لأمة كثرت فيها الطوائف والمذاهب وقل فيها الدين”، وكأن جبران يصف الوضع الحالي في العالم العربي… الطائفية هي أخطر ما يهدد السلم الاجتماعي والعيش الآمن، وإذا كان الحكام العرب، يكررون أخطاءهم، فالمسلمون يكررون أخطاء تاريخية من دون عظة أو عبرة من مآلات الأولين المهلكة.
جميع الحقوق محفوظة 2019