الغضب وقود أي ثورة؛ الأثرة في المال، أو الديكتاتورية في الأمن، بل ربما شراسة في التعامل، أو إهانة للإنسان. والشعوب التي تثور الآن هي بالضرورة غاضبة، اختارت مصيرها بنفسها، تريد أن تحقق شيئاً أو أن تهلك دونه، وهذا الفعل لا يمكن أن نحلله بسهولة، ونقول ببساطة إن خروج الشعب خطأ أو إن ثورته فعل صحيح، بل يمكننا مناقشته بهدوء من خلال تحليل الأسباب ورصدها. في مصر ثار الناس وأسقطوا حسني مبارك، كان الغضب هو وقود الثورة، لكن بانتهاء الثورة كان يجب أن يبدأ شعور جديد هادئ لبناء المستقبل.
لا يمكن للفنان أن يرسم خياله وهو غاضب، الغضب ضد أي فعل صائب.
المفكر المصري جلال أمين في كتابه المميز: “مصر والمصريون في عهد مبارك” قال “لم يكن انفجار الشعب المصري الذي بدأ يوم الثلاثاء 25 يناير ثورة جياع، كما توقع الكثيرون، بل كانت ثورة شعبٍ غاضب، كان الغضب واضحاً كل الوضوح في التعبيرات التي ارتسمت على وجوه المتظاهرين وفي العبارات التي كتبوها على اللافتات وفي صور المرددين للهتافات، وفي طريقة كلام المعلقين الذين أدلوا بأقوالهم للإذاعات الأجنبية ومحطات التلفزيون، نعم كانت هناك أسباب قوية للغضب تتعلق أساساً بالأسعار ومستويات الدخول والبطالة، ولكن الأسباب السياسية والاجتماعية لم تكن أقل شأناً”.
المصريون تجاوزوا المرحلة الصعبة من الثورة، وعليهم أن يستبدلوا مشاعر الغضب بدقة العقل ووضوح الرؤية للمستقبل. أن يتحرش متظاهر بسفارةٍ خليجية أو أن يحرق متظاهر سفارةً إسرائيلية، هذا في نظري ليس فعلاً مدنياً موفقاً أبداً. إن الغضب الذي كان سبباً في الثورة يجب ألا يكون هو سبب إجهاضها. إن الإنسان الغاضب يعاني الأمرين وهو يفتقد عقله، لكن حين تضبط العقلانية مشاعر الغضب يبدأ النجاح والتطور.
قال أبو عبدالله غفر الله له: بالعقل وحده، وبالبناء لكل صروح الدولة والمدينة يمكن للشعب أن يأخذ القرار الذي يريد. مهما كان الغاضب الذي يحرق محقاً في مشاعره تجاه السفارة الإسرائيلية، غير أن إحراق أي بناءٍ في البلد أو تكسير أي مكانٍ منه يعتبر اعتداء على صورة المصريين وعلى ثورتهم.
لا نكن عاطفيين حتى في طرحنا للحقوق التي ندافع عنها، بالعقل وحده يمكن البناء، أما الغضب فيهدم أكثر مما يعمر. ولله في خلقه شؤون.