انتظر الناس بشغف خطاب الملك، فمنذ أن أعلن الديوان الملكي ليل الخميس، عن إلقاء الملك لخطابٍ تعقبه أوامر مهمة والناس تتخابر وتسأل عن تلك الأوامر وطبيعتها. أثبت السعوديون أن في داخل كل منهم إحساسا صحفيا يود أن يظفر بالخبر قبل إعلانه. فاتصل الناس بمعارفهم وكل من له أحد أو يعرف أحدا في المؤسسات الحكومية التي يمكن أن تكون قد استشفت ولو رأس دبوس من أوامر الملك المهمة، إلى أن جاءت كلمة الملك المختصرة الدافئة، والتي طلب في آخرها من المواطنين ألا ينسوه من دعائهم، وبخاصة أن الكلمة ألقيت في يوم الجمعة الفضيل.
الأوامر تضمنت دعماً للإسكان والصحة والأمن والدعوة والإفتاء، وعززت أوضاع العلماء والعسكريين، ثم إنشاء هيئة لمكافحة الفساد. فرح المستفيدون كثيراً بالرواتب التي منحت لهم، لكن الأمر الذي استوقفني وأحب أن أخص هذا المقال عنه هو الأمر الذي يتعلق بتأسيس هيئة لمكافحة الفساد. من المُفرح أن تقرأ أمراً ملكياً يتجاوب مع تطلعات الناس، لحفظ المال العام. كتبتُ مقالات كثيرة عن الفساد وعلى الأخص حين عاصرنا كارثتي جدة، لكن اليوم هذه الهيئة سيكون لها نظام كامل تتم صياغته خلال أشهر ثلاثة، وهذا هو مربط الفرس أن تنتهي مهزلة الفساد من المؤسسات الحكومية وبعض الوزارات.
الأمر قال بالحرف الواحد: إن الهيئة يجب أن تطلع على تفاصيل أي مشروع في أي وزارة، فهي مخوّلة بأمر الملك لمتابعة الفساد والفاسدين ومراقبة أي خلل في المشاريع التي تقوم باعتمادها الوزارات، وهي مخولة أيضاً بمتابعة أي فاسد “كائناً من كان”… نعم “كائناً من كان”. مرت فترات طويلة انتفخ البعض بنفوذ يحميه من أجل حراسة الفساد الذي يقوم به، أو الفساد الذي يغطيه، في الوزارات والمشاريع، فنهبت الأموال وأكلت الميزانيات تلو الميزانيات في بعض المشاريع، والملك قالها من قبل واضحة: “هناك مشاريع ما بيّنت”.
هذا الملك الصالح يعرف جيداً هموم الناس، ويدرك أن الإصلاح يأتي من خلال فهمه هو للناس، وعبدالله بن عبدالعزيز بقي قريباً من الناس يعرف ما يفكرون به، يستقبل باستمرار الزوار ويأخذ مطالبهم وأوراقهم منذ أن كان ولياً للعهد، وأعظم القادة هم الذين يعرفون جيداً كيف يفكر من حولهم.
هيئة الفساد تأسيسها سيكون تاريخياً، لكن الأكثر فاعلية، هو أن تضطلع بأداء أدوار حقيقية، وألا تخاف في الله لومة لائم، وأتمنى من أعماق قلبي أن نرى ثمرة متابعتها الدقيقة واضحةً ماثلةً أمامنا قريباً.. أتمنى ذلك، وأقول: إننا بمحبتنا لعبدالله بن عبدالعزيز، ومعرفتنا لصدقه، ننتظر منه المزيد، في متابعة الأوامر، ومنح الناس الحقوق، وتفعيل أسس عملية لأداء الحكومة التي حظي موظفوها بمزايا الرواتب والزيادات وتأكيد زيادة بدل الغلاء.