من الطبيعي أن أسعد بتواجدي في الرياض؛ لأنها خزان طفولتي وشبابي ومنها انطلقت وهي التي صقلتني بصحرائها وصبر أرضها، والأمر المفرح الثاني أنني أتيت لمعرض الرياض للكتاب لأوقع كتبي الأربعة الجديدة والتي أريد أن تصل إلى كل القراء. وهي كتب بالمناسبة ليست في السحر، ولا الشعوذة ولا الطلاسم، ولا تمثل التيار العلماني أو الإسلامي أو الإخواني تمثل كاتب هذه السطور بوصفه إنساناً يريد أن يبوح بأفكاره الخاصة وآرائه الخاصة التي تمثل نفسه فقط. وأتمنى دائماً أن يكون كل ما أقدمه من نتاج كتابي أو إعلامي موضع نقد وملاحظات من قبل الناس أياً كان اتجاههم.
المعرض فرصة للتعايش بين المختلفين في الفكر والاتجاهات. بين المتنازعين ردحاً من الزمن على جزئيات. بين المتنافرين والمتحادين في الخصومة منذ سنوات وسنوات. بالحوار وحده يمكن أن ننشر آراءنا لا بالاشتباك بالأيدي والعراك، باسم إنكار المنكر تنتشر مظاهر لا تعبر عن الإسلام أو المسلمين. الجميل أن الشيخ خالد المصلح وهو أحد تلاميذ الشيخ ابن عثيمين علّق في صفحته على “تويتر” تعليقاً جميلاً حول إنكار المنكر حين قال: “من الفقه الغائب عن كثيرين أنه قد يترك المشروع من إنكار المنكر أو المعاقبة عليه لمصحلة دفع قالة السوء عن الإسلام وأهله، واستحضر من السنة في ذلك احتجاج النبي صلى الله عليه وسلم في ترك قتل المنافق الذي ظهر نفاقه بقوله: لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه”.
يسألني الأصدقاء من كل مكان عن الذي يجري في المعرض، وعن الفيديوهات التي تناقلها الناس من مضاربات واشتباكات، وهي لا تسرّ إلا الأعداء والشامتين. آمل من إخواني في كافة التيارات والاتجاهات، أياً كانت مواقعهم الفكرية أن ينأوا بأنفسهم عن هذا العراك. إن ما يجري اليوم في المعرض شيء مزعج جداً لكل الوطنيين الذين يطمحون إلى رؤية الرياض حاضنة للثقافة والتعددية، لا للأيدي والاشتباكات.
كما أن المسؤولية على العلماء أن يكون لهم موقف في توجيه الشباب المتحمس الذي يريد أن يقيم عالماً مثالياً طهرانياً لم يتحقق في أي عصرٍ من العصور، أن يخبروهم أن المجتمع الملائكي يوجد فقط في الأذهان ولا يمكن رؤيته على أرض الواقع في الأعيان. وحفظ الله هذه الرياض النضرة.