الفرق بين تعامل الغربيين مع المبدعين، وتعاملنا نحن مع المبدعين شاسع وكبير، ففي الوقت الذي يكرمون فيه الأدباء والفنانين، نقوم بملاحقة بعض المبدعين، ومنعهم من دخول بعض البلدان، ومحاصرة معارض الفنانين، ومنع روايات الروائيين.
الفنان طارق عبد الحكيم أغلق معرضه قبل سنوات بقرار من موظف صغير، وسراج عمر قرر أن يتلف أرشيفه نتيجة التجاهل، والروايات التي تمنع لتركي الحمد أوعبده خال أو غازي القصيبي أو عبد الرحمن منيف، تعبر عن الرفض العميق لدى بعض الموظفين لأي عملٍ إبداعي يشك فيه.
والإبداع بطبيعته خروج عن المألوف، وإلا لما كان إبداعاً. لكن هناك من يعتبر الخروج عن المألوف مروقا من الدين، وهذا ما يسبب الرفض للإبداع والابتكار الفني والأدبي. فلو أن أديباً توفي فإن قلة من الناس سيحضرون جنازته، ولو عرضت شقته أو بيته في مزادٍ علني لما اشتراها أحد، بل ربما تم تحويلها إلى مخبز أو محل لإصلاح الثلاجات والغسالات الكهربائية، بينما تعرض شقة عملاق الأدب الأميركي نورمان ميلر بـ2،5 مليون دولار، وذلك ليس بسبب المنظر الطبيعي الذي تطل عليه، بل لأنها شقة العملاق الأميركي العظيم والذي يستحق أن يكون بيته ثميناً حيث خرجت منه عشرات الأعمال الأدبية المهمة!
حين يسير السائح في لندن أو غيرها من العواصم الأوروبية، يجد أن كل بيتٍ قد كتب عليه اسم ساكنه، وتاريخ ساكنيه أحياناً، وحين يكون المنزل قد مر عليه فنان، أو طبيب مبدع، أو فيزيائي شهير يأخذ سعراً إضافياً، لأنه يكون حينها مغرياً. من الذي يرفض أن يسكن بيتاً سبق أن عاش فيه مبدع من كبار المبدعين؟! لكن حال المبدع السعودي بالذات يرثى له، فلا هو مقدر حق قدره من الحكومة، ولا هو مغفور له إبداعه من المجتمع، ولا هو بالذي يكسب ويعتاش من إبداعه كما هو حال أدباء الأمم الأخرى، فهو أينما يولي يجد نفسه خسراناً، فلا الرواية التي يطبع منها ألفي نسخة ثم سرعان ما يكون نصفها رجيعاً يمكن أن تعيشه بمالٍ وفير، ولا الترجمة أو الكتابات الأدبية أو القصصية يمكنها أن تمنحه فرصة الصرف على أبنائه وأهله!
يرحل المبدع في هذه الصحراء كما أتى، يذهب بصمت حتى وإن كان حضوره مثيراً للجدل، يذهب المبدع بصمت كأنه عجز أن أن ينبت في تربة هذه الصحراء!