السفر بحد ذاته قراءة. فيه مطالعة لسلوكيات البشر، واطلاع على ثقافات الناس، واحتكاك بالآخر على مستوى اللغة والحضارة والثقافة بكل فروعها. نحن كسعوديين نسافر كثيراً، بعض السعوديين يسافرون باستمرار إلى أوروبا وأمريكا ودول شرق آسيا، وهي قراءات مهمة، وأسفار منتجة في حال تم استثمارها والحفاظ على مردودها المعنوي والثقافي. بشرط ألا تكون تلك الجولات لمجرد التسوق والتسكع وقتل الوقت.
أذكر أنه في حلقة من حلقات “طاش ما طاش” شاهدتُ السعودي الذي يسافر ثم لا يودع عاداته. تجد كيس “الأرز” أول المشحونات، كما تجد العادات الضاربة والقديمة سبقته إلى مكان سفره. عادات على مستوى التعامل مع الآخرين، وعلى مستوى اللبس، أو حتى التفكير والسهر. وأخطر ما نصدّره في بعض الأسفار “النفاق الاجتماعي”، حيث يمارس الإنسان شيئاً في الخفاء، ثم يخاف من الناس، ويخشى من ظهوره.
أظن أن مرض النفاق الاجتماعي من أكثر الأمراض التي يمارسها بعض أبناء المجتمع في أسفارهم في الصيف. هناك الشباب الذين يقومون بمخاطرات أخلاقية واجتماعية في البلدان التي يزورونها. صار السائح السعودي يخشى من لقاء السعودي الآخر. بسبب الشرخ المعنوي بينهما. بل إن بعض الفنادق إذا أرادت جذب السعوديين للفندق والسكن فيه همست بأذنك أن السعوديين هنا قلة، وأنه لا عرب في هذا المكان، وأن جلّ سكانه “خواجات”.
وأنت في طريقك إلى مطار الملك خالد في الرياض تواجهك لوحات لدعايات للأرز، وفي إحدى اللوحات نقرأ أن “المخمخة” لا تكتمل إلا بالأرز! لأول مرة أعرف أن الأرز يساعد المسافر على المخمخة. الأرز هو المسؤول الرئيسي عن الخمول الذي يستمر لساعات من قبل ثلاثة أرباع المجتمع. ثم يأتي الإعلان ناشراً كذبه، يطالب المسافرين بأن يحملوا قطم الأرز، أن يسيروا في الأرض بأكياس الأرز قبل السفر!
قال أبو عبد الله غفر الله له: وأعظم ما في السفر أنه فرصة لتغيير العادات، أو على الأقل أخذ استراحة قصيرة منها. كما أنه فرصة لترسيخ المسؤولية الذاتية لأن الحرية لا تعني أن تكون منافقاً تمارس ما ترى حرمته، أو تختفي من الناس لتفعل الأفاعيل، بل الحرية تكشف عن عمق تمسكك بما آمنت به من تعاليم وأخلاق. ولو لم يأتنا من السفر إلا هذا لكفى!