”نحن نستطيع أن نختار أصدقاءنا، لكننا لم نختر أنفسنا”·
جوستاين جارد، مؤلف (عالم صوفي)
قبل أيام كنت أستمع إلى الشيخ سلمان العودة في برنامجه (حجر الزاوية) الذي تبثه mbc يومياً خلال شهر رمضان· كان يتحدث عن الصراحة، وأشار إلى أننا جميعاً يجب أن نكون مستعدين لتحمل سلبيات الصراحة، فالحاكم عليه أن يتقبل صراحة الشعب، والعلماء والدعاة عليهم أن يتقبلوا صراحة الناس، والناس عليهم أن يتقبلوا صراحة بعضهم بعضاً·
كان الشيخ هنا يشير إلى إشكالية رئيسة نمارسها بجلاء، ونعاقرها بوضوح، وهي أننا نتبنى مواقف وندعو إلى مسالك، نريد من الآخرين أن يمارسوها في حقنا، ثم لا نمارس ذات المطالبات في حق أنفسنا، بل وننسى أن نراجع ذواتنا هل نحن مطبقون لما نريد من الناس أن يفعلوه لنا؟! أرى عبارة جوستاين جارد، تنصب في نفس الإطار، فنحن نريد من أصدقائنا أن يكونوا متحلين بصفات وسلوك معين، لكننا لا نسقط ذات المعادلة على ذواتنا!
لم أجد أحداً يوماً يرفض الصدق في الحديث، بل كل من قابلته يتفنن في الثناء على مزايا الصدق، ويبرع في استعراض رزايا الكذب، فمن هم الكذابون لا أبا لكم··· إذاً؟!
ألم تقل العرب قديماً:
يا أيها الرجـــل المعلـم غــيره
هلاّ لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّهـا
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لا تنهَ عن خلقٍ وتأتي مثلـه
عار عليك إذا فعلــت عظيم!
لا أعتقد أن كثيرا من الناس يؤتون من قبل تحديد الصواب من الخطأ، والصحيح من السقيم، وإنما يؤتون من قبل إبصارهم القذاة في أعين غيرهم وصدودهم عن الجذع في أعينهم···
وفي الأثر: ”تُبْصِرُ القَذاةَ في عين أخيك، وتَنْسىَ الجَذْلَ في عينك”· ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: كفى من الغَيّ ثلاث: أن تبصر من الناس ما يخفى عليك من نفسك، وأن تعيب عليهم فيما تأتي، وتؤذي جليسك فيما لا يعنيك·
أرى كـل إنســـان يـرى عـيب غـيره
ويعمى عن العيب الذي هو فيه
ولا خير فيمن لا يرى عيب نفسه
ويعمى عن العيب الذي بأخيه
وجاء في تفسير قول الحق تعالى : (بل الإنسان على نفسه بصيرة) قول قتادة: قال إذا شئت رأيته بصيرا بعيوب الناس غافلا عن عيب نفسه· وكان يقال إن في الإنجيل: : يا ابن آدم أتبصر القذاة في عين أخيك ولا تبصر الجذل المعترض في عينك·
يمشون في الناس يبغون العيوب لمن
لا عيب فيه، لكي يستشرف العطب
إن يعلموا الخـير يخفــوه وإن علمـــوا
شـــرا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبـوا
لذا، فأكثر الناس فاعلية، هم أكثر الناس مراجعة لمساراتهم، ليتحققوا هل يطالبون غيرهم بأمور لا يطبقونها، ولا يعلمون أنهم لا يطبقونها، أم انهم سادرون في غيهم، مستمتعون بازدواجيتهم، علموا بها··· أو لم يعلموا!
[email protected]
جميع الحقوق محفوظة 2019