يعبّر السجال الحاصل في مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، عن عددٍ من الظواهر الخطيرة، وأبرزها ما يتصل بالوطن والمواطَنة، وهي مفاهيم عتيدة لها تاريخها، لأن المواطنة صيغة مفاعلة تتراوح بين الحق والواجب، بين الحرية والمسؤولية، بين الانضباط والعدالة.
طوال السنوات الخمس الماضية، كان النقاش بين تيارين أساسيين في الخليج، أولهما؛ خليط من الليبراليين الوطنيين، والإسلاميين المعتدلين، تيار يعبر عن وطنيته من خلال الوقوف ضد الخلايا التي قُبض عليها في دول الخليج بعد الربيع العربي، هذا التيار يضع أولويته للأمن القومي لدول الخليج، لأنه الجدار العربي الأخير، الذي لم يتم هدمه في ظل وجود دول مجاورة منهارة أو تكاد.
التيار الآخر، معظم أخلاطه من الإخوان المسلمين، ومن بقايا القوميين أو اليسار الثوري، وهم يعتبرون كل أمر تقوم به الدولة، موضع شكٍ من الواجب مساءلته والشعور بالمؤامرة تجاهه!
هل تصدّقون أن أحدهم كان يعتبر العمليات الإرهابية في السعودية عام 2003 من صنع الأمن، وأنها مسرحية وتمثيلية للقضاء على الإسلاميين! كان يقول إن تلك الجثث، يأتي بها الأمن ويصوّرها!
هذا الأخ، عاد إلى رشده، بعد أن طحنته السنين، لكن على هذه الفكرة الساخرة تقاس رؤاهم المتعددة، ينشطون أيضاً في وسوم بمواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بالمعتقلين في دول الخليج، ممن صدر بحقهم أحكام ضمن القضاء، أو ينتظرون صدور الحكم، هذا التيار مناوئ بطبعه، يسخر من الوطنيين ويعتبرهم حكوميين أو «ليبروجاميين»! التياران السابق شرحهما، لا يزالان فاعلين، وللأسف فإن السطوة الكبرى على الوسائط ومنابر وسائل التواصل الاجتماعي، يتولى الصولة والجولة فيها التيار المناوئ، الممانع الثوري، لهذا تلاحظ حرصهم على إيجاد واختراع هفوات من لا شيء، ويصنعون من الحبّة قبّة كما يقال.
لا يمكن فهم المواطَنة الصالحة بشرطها الفلسفي المنضوي ضمن العقد الاجتماعي إلا من خلال احترامٍ عميق لمؤسسات الدولة، لهذا لم يعد سراً أن المشاركين بحملات إطلاق سراح المعتقلين، مثل حملات «فكوا العاني»، هم وقود الإرهاب الذي يضرب في داخل السعودية ودول الخليج.
يعتمد التيار المناوئ على فكرة «الحقوق» وهي غطاء مدّعى، لإثبات المدنيّة في السجال، وإلا فيمكن الرجوع إلى مبادئ رموز هذا التأسيس الحقوقي من حركة «حسم» السعودية، تلك التي لديها خطابات خطيرة لا تفهم أسس الدولة، وتحرّض على تخريب الواقع، والتظاهر بالشارع، وكانت هذه الحركة ترى؛ وهي ضمن التيار المناوئ والثائر، أن تركب موجة الربيع العربي.
بعض رموز الصحوة الإسلامية، أعطاهم الدعم سراً، لكن سرعان ما تبيّن لهم أن ما ينظرون إليه ليس سوى سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، إذ ارتدّت الوسائل التي استخدموها والحملات الإعلامية التي شنوها ضد الدولة ومؤسساتها عليهم. تلك التيارات، لا تستطيع فهم معاني المواطنة بوصفها فعالية مستمرة بين الإنسان ودولته، والمؤسسات التي يعيش فيها، لقد قالوا إن الديمقراطية أهمّ من الأمن، ثم تبيّنت لهم تجارب دول الجوار، التي لم تعش لا بالحريّة ولا بالديمقراطية، وللأسف لا يزال البعض يعتبر الربيع العربي مشروعاً قائماً، لأن التجربة كما يقول: ناقصة، لكنها يوماً ما ستكتمل.
الخلاصة أن التيار الوطني الجامع، بين مجاميع العقلاء يستطيع أن يوصل صوته ورأيه من خلال المنابر المتاحة، ولا عبرة بالضربات التي يقوم بها بعض المناوئين الثوريين، لأن المهم أن نحمي مكوناتنا التي بين أيدينا.
من يسرّه أن يتحول الخليج، إلى منطقة تشبه لبنان أو سوريا أو العراق، مع ألمنا الشديد لما أصاب هذه الدول، وهذه الشعوب، وهو مصابٌ نشاطر فيه، أهلنا في هذه الدول؟!
المسؤولية كبيرة، وبالذات على الكتاب والإعلاميين، وصناع الرأي في الخليج والعالم العربي.