من الطبيعي أن تحاول الدول حراسة الهويات. الهوية هي قلب الثقافة ونبضها. أوروبا تقوم بحراسة للهوية عبر تقنين بعض الأنظمة. منها مثلاً ما يتعلق بـ”النقاب” وليس الحجاب، ليس هناك من يمنع لبس الحجاب. بين يدي كتاب كامل بعنوان: “النقاب عادةً وليس عبادة” من تأليف: مجموعة من الفقهاء. ضم فتاوى وأبحاث لمحمود زقزوق، وزير الأوقاف المصري. والراحل محمد سيد طنطاوي. وعلي جمعة مفتي مصر. ومحمد الغزالي الفقيه الإسلامي المصري الشهير. يصلون من خلال أبحاثهم إلى أن: “حجاب المرأة المسلمة المأمور به هو ستر جميع جسدها ما عدا الوجه والكفين، وأن النقاب المنتشر بين النساء ما هو إلا عادة اجتماعية، لا تجد آية في القرآن الكريم ولا الأحاديث النبوية الشريفة تدل بمفهومها على الأمر بلبس النقاب”.
وبغض النظر عن الجدل المستديم والمزمن حول هذه الجوانب الجزئية، غير أن “فقه الأقليات” يمكن أن يدرج مثل هذه الفتاوى في سياق الأبحاث والندوات والمحاضرات. لأن إدخال المغتربين في أوروبا في صراع مع الحكومات فيه جناية على مستقبل تلك الأسر، وعلى الرزق والعمل، وفيه تشويه لسلوك المسلمين هناك ونشر دعاية سيئة عن المسلمين. فقه الأقليات نعلم أنه يأخذ المصالح والواقع المختلف بعين الاعتبار. من الضروري التخفيف من الحدة أثناء تناول تصرفات الآخرين ببلدانهم. لا يستطيع بعض المحتجّين تدريس معنى الحرية للفرنسيين، هم أعلم بها منهم. لكنهم يريدون حراسة الهوية، وفرنسا ليست بلداً إسلامياً ينتظر منه تطبيق الشريعة. فهي ليست باكستان. الوعي بهذه البدهيات ضروري من أجل الخروج بالمسلمين من نزعات الخصومة، وخطابات التهييج.
كان المسلمون يستقبلون بحفاوة في أوروبا وأمريكا لولا تصرفات بعض المتطرفين المسلمين الذين فجّروا القطارات والمطاعم. أنتجوا بسلوكهم المتطرف تطرفاً مضاداً على مستوى كبير من الخطورة.
قرأنا مؤخراً عن “خيرت فيلدز” زعيم حزب “الحرية” الذي يشغل حزبه 24 مقعداً في مجلس النواب الهولندي من أصل 150 مقعداً، الذي جمع شمل القوى المناوئة للإسلام. ويأمل من خلال ما سمّاه “التحالف الدولي من أجل الحرية” بناء شبكة جديدة تعترض أفكار الإسلام.
يقول فيدز نفسه أن حركته ستكون: “متنفساً للناس الذين يجدون أنفسهم بين طرفي الأحزاب المحافظة والأحزاب اليمينية المتطرفة، مضيفاً أن الحركة المناهضة للإسلام لن تتحول إلى معقل للأحزاب اليمينية المتطرفة، وستعمل جاهدة على الترويج لحماية أمن وسلامة إسرائيل”.
قلتُ: وهذه هي عاقبة إهمال المصالح، والتترس بالتهييج والتأجيج بين المتطرفين من المسلمين، والمتطرفين من المسيحيين. بينما تغيب أصوات الاعتدال، ويحجب الصراخ المتطرف همس المعتدلين.