الكتابة الساخرة عصيّة على التصنّع!
تحتاج الكتابة الساخرة إلى حزمة من العوامل النفسية والذهنية لتكون عفوية تستطيع أن تسلب عقل القارئ فتحيله طريحاً على الأرض من شدة الضحك. الكتابة الساخرة تمكّن الناس من الضحك على واقعهم؛ بل وعلى أنفسهم أحياناً. الكتابة الساخرة مليئة بالأفكار والرسائل والمضامين. لكنها مطمورة بين الحروف والكلمات. وأندر الكتاب في الصحف العربية والعالمية كتّاب الزوايا الساخرة. وكأني بصحفنا وهي تكاد تتثاءب من شدة النعاس الذي ران على الزوايا؛ بسبب قلة الكتابات التي تلفحنا بحرارة سخريتها.
قبل أيام رحل عن دنيانا الكاتب الساخر الأشهر عربياً: محمود السعدني، الولد الشقي، العبد الفقير لله، رحمه الله. كان يكتب بدبّوس موجع ومدغدغ ومضحك ومؤلم. يكتب بحسّ الصحافي، وبقلق المدرك لآلام الواقع. أعطانا الفرصة لنسخر على ضياع واقع عربيّ بأكمله. وقال عنه الشاعر المصري الراحل كامل الشناوي “يخطئ من يظن أن السعدني سليط اللسان فقط، إنه سليط العقل والذكاء أيضا”.
من مؤلفات السعدني: “الظرفاء والمضحكون” الذي تناول فيه عددا من ممثلي الكوميديا، ومنها أيضا “حكايات قهوة كتكوت” و “أميركا يا ويكا” و “مصر من تاني” و”الموكوس في بلاد الفلوس” و”الولد الشقي في السجن” و “حمار من الشرق” و “بلاد تشيل وبلاد تحط”. كما أن أذنه منصتة إلى الجمال بدليل كتابه “ألحان السماء” ألّفه عن قراء القرآن من أصحاب الأصوات الجميلة.
قال أبو عبد الله غفر الله له: حاول “الولد الشقي” أن يشقّ صلابة الواقع بدبابيس السخرية. وأن يخرج من أنفاق الألم بابتسامات القلم. ومع ضحك قلمه إلا أنه لم يخف ألمه. كتب عن حياته قائلاً: “رغم الظلام الذي اكتنف حياتي، ورغم البؤس الذي كان دليلي وخليلي فإنني لست آسفا على شيء، فلقد كانت تلك الأيام حياتي”.
وجد السعدني – وهو الشيوعي العريق- في الكتابة الساخرة فرصةً للقرب من الهموم اليومية للمواطن المصري، أراد أن يفتح كوّة من النور داخل كهف الظلمة عبر قلمه الفضّاح الذي ما تناول ظاهرةً إلا وأبان عن وجهها المضحك. في كل حرفٍ من حروفه نرى “سحنة” الولد الشقي الذي أراد أن يصفه بوضوح في مذكراته.
رحم الله السعدني. لقد كان حرفاً مبتسماً، في زمن كثرت فيه الحروف المتجهّمة!