لا يمكن أن يقدم أبو مصعب الزرقاوي وجهاً حسناً للعرب والمسلمين، إلا إذا كان أرييل شارون يقدم انطباعاً ايجابياً عن إسرائيل·
كانت تفجيرات عمّان في 9/11/2005 التي استهدفت ثلاثة فنادق، كان في أحدها عرس بهيج حوله ”جهاد” الزرقاوي إلى دماء وأتراح بدل البسمات والأفراح، من أواخر جرائمه· وفي القائمة آلاف المدنيين العراقيين الأبرياء من الطوائف العراقية كافة· وفي القائمة من طرائق القتل البشعة ما لا يعد، بينها طريقة قتل المقاول الأميركي ”نيكولاس بيرغ” ونحره كما تنحر الشاة ضمن لقطات مصورة، في عملية بشعة إجرامية بكل المقاييس، ولا يمكن تبريرها حتى من قبل السفاحين وشاربي الدماء ومحترفي الإجرام، وليس بعيداً تفجير الفنادق لو لم يكن بها أعراس، فكيف بتفجير الأعراس عن هذه البشاعة·
لم تأت الأديان كلها، بذبح الأوادم ونشر البشر، بل جاءت لنشر الطمأنينة في النفوس وإسعاد البشرية وتحقيق أسباب الأمن للناس، وما يفعله أبو مصعب الزرقاوي وزمرته، هو فعل من أدار ظهره لسمو الديانة، وأقبل بوجهه كله إلى وحل الدماء ووحشية التشفي ومستنقع الشر·
كنا نقول إن مطالبة البشر في الشرق أو الغرب بتصور إيجابي عن العرب والمسلمين بعد هذه الأفعال هي مهمة شاقة إنْ لم تكن مستحيلة، وأخشى مع الوقت أن تكون المهمة صعبة ومستحيلة في أوساط المسلمين والعرب!
كنت قد أشرت في مقالي الماضي إلى أننا واجهنا مشكلة حقيقية في التعاطي مع الإرهاب، فقد كان الزرقاوي بطلاً في أنظار كثير من الأوساط الشعبية والثقافية، بل وربما الدينية في الأردن والمغرب، وأماكن أخرى، حتى أصاب نار الإرهاب الأردن بتفجيرات عمّان، والأمر ذاته في المغرب بعد التهديد بقتل رهينتين مغربيين في العراق يعملان في السفارة المغربية كموظفين محليين، بعدها بدأت هذه الأوساط في الوقوف بحزم أمام ”القاعدة” والزرقاوي·
وقد لفت انتباهي تعليقات القراء على مقال الأسبوع الماضي فقد كانت نسبة الرفض لأفعال الزرقاوي أعلى من ذي قبل، وفيما كان معظم القراء إما مُشككين في حقيقة شخصية الزرقاوي، واعتباره شخصية وهمية من نسج آلة الإعلام الأميركية لتسويغ الفشل العسكري لواشنطن على أرض العراق، وإما معتبرين الزرقاوي بطلاً يقتل الأميركيين الغزاة، جاء التفاعل مختلفاً هذه المرة، عندما كان مجمل القراء يركز في تعليقه الاليكتروني على بشاعة الجريمة·
كانت هناك إشارات جادة إلى ما اعتبره أحمد عبدالله من السعودية ”طائفية في تعاطي الإعلام العربي والحكومات العربية مع جريمة الإرهاب”، لجهة استنكار ما حدث في الأردن، في مقابل صمت مطبق أمام الإرهاب اليومي ضد شعب العراق المسلم المظلوم الجريح، على حد وصفه·
الإرهاب يا سادة، كتلة واحدة لا يمكن تجزئتها، وعلينا كعرب ومسلمين أن نعلن خطأنا عندما فرحنا بالأمس وأطلقنا الزغاريد تشفياً بالأميركان في 11 سبتمبر أيلول ،2001 وكنا أشبه ما نكون بمن يسخر من النيران التي أصابت جاراً بعيداً لا يحبه، ثم لم يلبث في غمرة سخريته وتشفيه، أن انتقلت النار إلى بيته، فانقلب التشفي حسرة، والسخرية ألماً···
لا زلنا نتضعضع في مواجهة الإرهاب، ولولا سطوة الولايات المتحدة في متابعة الإرهاب، واعتبار هذه القضية بالنسبة لها قضية مصيرية على غرار المقولة ”الشكسبيرية” الشهيرة: أكون أو لا أكون، لربما بقي فينا من يزغرد فرحاً بالتفجيرات إلى أن تصيب التفجيرات ابناً من أبنائه، ثم يقلب الطاولة، حينما لا تحين ساعة مندم!
جميع الحقوق محفوظة 2019