لم يعد وصف إيران بالراعية الرسمية للإرهاب في العالم، مجرّد تعبير خليجي، أو تصعيد إعلامي عربي ضد المد الإيراني، بل أخذت تعترف به دوائر القرار، حيث تصدرت إيران قائمة الدول الداعمة للإرهاب في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية، والذي قالت فيه إن مليشيا حزب الله اللبناني إرهابية كذلك، وذكر التقرير أن إيران تدعم الإرهاب وتدعم جماعات مثل مليشيا حزب الله في لبنان، ومليشيات طائفية في العراق، إلى جانب دعمها لنظام الأسد في سوريا، الدولة التي أدرجها التقرير أيضاً في قائمة الدول الداعمة للإرهاب في العالم. وعلى الرغم من التلاقي الغربي الإيراني بعد الاتفاق النووي، غير أن بقيّة من وعي لدى الدوائر الأميركية، تعلم جيداً الخطر الإيراني على العالم.
والنظام الإيراني منذ الثورة، براغماتي، يتحالف مع الشياطين من أجل مصالحه، فأميركا التي وصفت إيران بالراعي الأبرز للإرهاب، والتي يصفها النظام الإيراني بالشيطان الأكبر، كان بينهما اتفاقيات كبرى من أجل الثورة على الشاه!
لقد أظهرت سلسلة أخرى من الوثائق الأميركية الجديدة، رفعت وكالة المخابرات الأميركية (سي آي إيه) السرية عنها، أن الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، كان من كبار الداعمين لفكرة استبدال نظام الشاه، الذي كان يعاني من اضطرابات، بنظام الخميني مؤسس نظام ولاية الفقيه بإيران.
تضيف الوثائق أن: «الخميني الذي كان يعتبر أميركا «الشيطان الأكبر»، كان يتلقى دعماً خاصاً من إدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر، من خلال إجبار الشاه محمد رضا بهلوي على مغادرة إيران، وصعود معسكر الخميني بدلاً عنه.
هذا بالإضافة إلى أن الإدارة الأميركية مارست ضغوطاً كبيرة، أوصلت الشاه إلى طريق مسدود، قبل أن تجبره على التنازل عن الحكم، ودخول الخميني بدلاً عنه. وفي إشارة إلى مفاوضات جرت خلف الستار بين المقربين من الخميني والإدارة الأميركية، ذكرت الوثائق أن الخميني لم يكن معارضاً لبيع النفط إلى إسرائيل!
صدمة كبرى لمن أغلق عقله، فالوثائق ذكرت أن: «مؤسس نظام ولي الفقيه في إيران الخميني، كان على صلة بالحكومة الأميركية منذ الستينيات من القرن الماضي، حتى قبل أيام من وصوله إلى طهران، قادماً من باريس، وإعلانه الثورة عام 1979».
الفكرة أن النظام الإيراني لم يكن مدعوماً فقط من فرنسا، حيث هبط الخميني على طائرة تابعة لخطوطها عام 1979، بل في دعم وعلاقات مع واشنطن تعود إلى الستينيات، ومن دون الدعم الأميركي، لم يكن للثورة أن تنجح، والوثائق توضح مستوى التنسيق، حدّ الخضوع تجاه أميركا وإسرائيل، فالبراغماتية السياسية الإيرانية السرية، تريد وتهرع وتلهث نحو الغرب، والدليل، الجري وراء الاتفاق النووي ضمن شروط تكسر كبرياء إيران، لكن الخطاب العلني، يستر كل تلك الموجات السياسية، والتعاملات السرية.
كتابات كثيرة رصدت التعاملات بين إيران وإسرائيل، من أشهرها كتاب (ريتا بارزي) بعنوان: «حلف المصالح المشتركة، التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة»، وهو كتاب ضخم ورصين، والمعلومات التي تضمّنته كانت جديدة في حينها، غير أن الوثائق الرسمية هذه تضع الصورة بشكلها الناصع، هناك أكثر من وجه للنظام الإيراني، فبقدر ما هو نظام زاعق مصوّت صارخ ضد الغرب وشياطينه على المنابر، فإنه نفسه اللاهث وراء التعاملات، أياً كان مصدرها، والثورة الإيرانية بمعنى ما هي ثورة أميركية على الشاه أيضاً.
للتاريخ دروسه، وللسياسة أسرارها، وعالم إيران الإرهابي والبراغماتي، بات مكشوفاً، الوثائق أكبر دليل على كون إيران الثورة، غربية الصنع، ونتائجها الإرهابية طالت الغرب نفسه، فإيران التي تفسد في الأرض تدّعي أنها تصلح، وتدعي النضال، وهي تراوغ وتهادن، وتصوّت ضد الشياطين بالخطب، وتخطب ودّهم، وتسعى وراء موائدهم وصفقاتهم، ولكن، للأسف، أكثر الناس لا يعلمون.