الأفكار التي نتقبلها خلال السنوات الخمس الأولى من حياتنا تكون مهيمنة بالكامل على بقية حياتنا. إلا الذين يأخذون بالاعتبار النقد المستمر لأفكارهم والاستزادة من المعارف والعلوم. كل العباقرة الذين عرفهم التاريخ لم ينشأوا عباقرة من صغرهم، بل على العكس، أحياناً تكون البيئة التي عاشوا فيها ضد التفكير والنقد. لكن سرعان ما ينشقون عن السائد ويبدأون في تشكيل جديد لأفكارهم ومواقفهم ومعارفهم. ونحن السعوديين لسنا الجنس “الآري” الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد، بل نحن مثل غيرنا، لنا رجلان ورأس ولدينا أخطاء مثلنا مثل الناس. ومن بين تلك الأخطاء تضخيم الثوابت، وحصر الخلاف بمسائل ضيقة والإلزام بالرأي تحت صيغة “القول الراجح”.
في كتابه الجديد “تغطية العالم- بدعة الإلزام بتغطية الوجه”، يتحفنا المؤلف أحمد السيد عطيف، بمجموعة من الآراء والأفكار حول مسألة تغطية وجه المرأة،. يتناولها بالبحث والفحص والعرض والتحليل. ويمزج بين التحليل الفقهي والتحليل الاجتماعي، فهو كتاب يهم الناس ويفيدهم ليقرأوا كيف أن التفكير أو الرأي السائد ليس بالضرورة أنه هو الأرجح، وممارسة الرأي الفقهي من قبل شريحة واسعة من الناس لا تدل على صدقيته أو على رجوح كفته. في كتابه يتناول الأقوال والآراء في مسألة تغطية الوجه التي أخذت وهجاً وحديثاً وصارت إلزامية تلزم بها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل النساء إلا ما ندر، وبحسب حماس أو حكمة الأمر بالمعروف يتنوع الموقف من المرأة التي تكشف وجهها.
الجانب الأهم في البحث أنه ينقّب في الجانب السياسي لمسألة تغطية وجه المرأة حين يقول “حين كنا نحرّم تصوير وجه المرأة لم نكن نعلم أن الواقع والضرورة سيفرضان تصويره لبطاقة الهوية الوطنية أو للتسجيل في الجامعة، اكتشفنا أمام هذه الصدمة أن لدينا ستة ملايين مواطنة بلا أي إثبات، اليوم صار الغطاء راية سياسية وشاهداً ميدانياً على انتشار أو انحسار هذا التيار السياسي أو ذاك، ولأن غطاء الوجه يجد أصوله في التراث فقد حاولتُ أن أبحث في هذا التراث وعن تلك الأصول”.
أوصي بأن نكون أكثر نقداً لأفكارنا السائدة ولكل ما نعتقد أنه من الثوابت المطلقة التي لا جدال فيها، يجب أن نكرّس النقد بدلاً من أن نكون متحجرين على آرائنا وأفكارنا، وطوبى لكل الباحثين والقراء الجادين.