الإنسانية ليست كلمة تقال وتنثر بالصوت في الهواء، بل هي شروط وأساليب عديدة حتى يصل الإنسان إلى الحس الإنساني والشعور بالآخرين. دائماً الإنسانية هي خروج عن الأنانية. الأنانية جزء من الوحشية، والتعاطي مع الآخر هو التمدن الإنساني الذي وصلنا إليه بفضل تقدم علوم الأخلاق، وتطور المشاعر الإنسانية وظهور الدولة المدنية والمجتمعات الإنسانية المتآلفة. إلقاء التحية والسلام والابتسامة هي سلوك إنساني حقيقي، أما التجهّم وتقطيب الحاجبين والنظر بشزر إلى الآخرين تجعل الإنسان أبعد ما يكون عن المشاعر الإنسانية، وتبادل التحايا والحب والوئام مع بني الإنسان. وللأسف أننا لم نصل كثيراً إلى هذه الأهداف العليا والسامية، وإن كنتُ أتمنى أننا بدأنا نحث الخطى، هكذا أتفاءل.
أخبار متشابهة في يومٍ واحد قبل أمس، بين أبٍ يسجن ابنته ثمانية عشر عاماً، وبين كفيلٍ يسجن راعي أغنامٍ لمدة خمسة عشر عاماً، ولم يصرف له طيلة 15 عاما إلا 800 ريال. وبحسب صحيفة “الشرق” قبل أمس، فإن العامل قدم إلى مدينة حائل من الهند بعد زواجه ليبحث عن لقمة العيش في أواخر شهر صفر من عام 1414هـ، وكان يعمل طيلة تلك الأعوام في منطقة بعيدة ومعزولة عن الناس وسط النفود، وأبعده كفيله عن المدن والمجتمع ولم يمكنه من التواصل مع من هم حوله، إضافة إلى معاملته بطريقة سيئة بالإهانة وحرمانه من الاتصال بأهله خارج البلاد. وقال مورتي كير لي “عاملني كفيلي بوحشية وأبلغ عني أنني هارب، رغم أنني أعمل عنده، وكان في معاملته يهينني ويحرمني من مرتباتي، وحاول أقرباء كفيلي أن يسمح لي بزيارة أهلي ولكنه رفض”.
أما البنت ذات الـ36 عاماً، فقد حجزها والدها بحسب صحيفة “اليوم” في جزيرة تاروت بمحافظة القطيف لأسباب مجهولة، حرمها خلالها من الدراسة ومن الحياة بشكل طبيعي!
قال أبو عبدالله غفر الله له: لنكن فعلاً شعب الإنسانية في “مملكة الإنسانية”. أما الحديث والكلام عن الإنسانية واحترام العمال، وحقوق العاملين، فإنه لن يجدي ما لم نطبقه. وإلا فكيف لمن يصلّي أو يدعو الله ويبتغي إليه الوسيلة، أن يقوم بمثل هذه الأعمال المشينة! ألا ندرك حجم التناقض بين من يأكل مال اليتيم وهو بالليل يقوم وبالنهار يصوم؟! هل هي تناقضات طبيعية؟!
أتمنى من هيئة حقوق الإنسان التنقيب عن مثل هذه الحالات التي نعلم وندرك أنها عديدة، حتى نخرج بالمجتمع من وحشية الإنسان إلى تهذيبه وتمدينه عبر القانون والعقوبات والتوعية.