المقطع الذي تداوله الناس في شتى وسائل الاتصال حول المعنّف في مركز التأهيل الشامل في محافظة عفيف كان مخيفا في مضمونه وشكله. ينافي تماما كل ذوق وحس لدى الإنسان، بل حتى لدى بعض الحيوانات، حتى إن مجموعة من القردة رأت أعمى لم يستطع أن يفتح صنبور الماء للشرب فهبت القردة لمساعدته، وهذه هي الطبيعة حين تتكامل حياة المخلوقات بالرحمة، لكن المعنف الذي ضرب الطفل ضربا مبرحا مؤذيا بشكل تتساءل معه إن كان يحمل في جوفه شيئا من رحمة، مع أننا نفترض أن الرحمة أس عمله ومهنته. ضرب مبرح مؤسف لا يفعله بني البشر مع شخص عادي فكيف بشخص له حالة خاصة في جسده ويحتاج إلى رعاية خاصة يتم ضربه والاعتداء عليه!
بالتأكيد أن الضرب لم يتم لولا وجود ثغرة نظامية في طريقة الإدارة للمركز، الأجواء الإدارية المهملة والبعيدة عن الحزم والمراقبة منحت العامل فرصة الاعتداء. العامل وجد ثغرة خالية فمارس وحشيته، وإلا لو كان النظام شديدا والكاميرات متوفرة في كل زاوية من زوايا المركز لما فعل هذا الشخص كل هذا الجرم! وأتمنى أن تتم مراجعة آلية العمل في المركز، والمراكز المشابهة، وألا يقتصر العقاب على العامل فحسب، بل يمتد ليشمل من وفر مناخا يمكن أن تتم فيه جريمة كهذه، فحالات الضرب والاعتداء تكررت كما أقر بذلك بعض الآباء والأقارب ممن لديهم تجارب مماثلة من قبل. المعتدي كان آمنا على نفسه وهو يضرب الطفل، وكأن هذه الوحشية تسعده وتشعره بالنشوة على طريقة الساديين في السجون والمعتقلات، وكأنه أمن العقوبة، فأساء الأدب، وتجاوز في حق من اعتدى عليهم، كما تجاوز في حق المجتمع بكافة، فما بالك بالجهات التي تتبع لها المنشأة!
وجزى الله الكاميرات الصغيرة المتنقلة بين أيدينا على أجهزتنا الذكية، والتي ترصد ما تعجز عنه أجهزة الرقابة في الحكومة، وأتمنى من كل إنسان أن يوثق المشاهد التي يراها خاطئة بحق الإنسان حتى تصل الرسالة إلى المسؤول. أحداث كثيرة كانت يمكن أن تنسى لولا أن عدسة جوال يقظة رصدت المشهد فدفعته إلى “يوتيوب” ليفجر مآسي لم نكن نعلم بها بتاتا.
قال أبو عبدالله غفر الله له: ووزارة الشؤون الاجتماعية مسؤولة بشكل مباشر عن هذا الحادث، وقناة “العربية” بتقريرها عن المركز أثبتت المأساة البشرية التي يعيشها النزلاء، ويبقى السؤال: بعد أيام من تداول المقطع الشهير لمعنف عفيف، ماذا فعلت المؤسسات الحكومية أو الأجهزة الرقابية لوأد تكرار مثل هذا التصرف مستقبلاً؟! فالقصة تتجاوز إحالة المعتدي للشرطة، إلى وفرة أجواء الاعتداءات المماثلة، في هذا المركز أو ذاك!
أن يقبض على العامل هذا حل لقضية واحدة، لكن ماذا عن المآسي الأخرى، من اتساخ في المركز، وضعف في الخدمات وضيق في المساحة رغم وجود ميزانية كافية لجعل المركز أكثر رقيا وانتظاما؟!