غادرنا صاحب القلم الساخر، واللغة المحبوبة “جلال عامر”، رحمه الله، بعد أن عاش تحديات الشيوخ وطموحات الشباب.
ولد مع ما سمّي بـ”ثورة يوليو”، وتوفي مع ثورة 25 يناير، عاش حياته وقضاها بين ثورتين.
لم يكن أسلوبه إلا أسلوب إنسان حقيقي عاش معاناة البسطاء طوال حياته.
مات بأزمةٍ قلبية وهو يصرخ: “المصريون بيموّتوا بعض”!
رحل عن المصريين ولمّا يكملوا ثورتهم أو نتائج ثورتهم.
شهد بعض الحلم وقد اسودّ قليلاً، ولكن قلبه كان عاشقاً لمصر، لم يصمد أمام مشاهد الشراسة بين أبناء الوطن الواحد.
كان يعلم أن الإثنية تنمو، وأن الانتماءات بدأت تشتت الشارع المصري، رأى أن الاعتدال موجود فعلاً لكن- فقط – “على شاشات التلفزيون”.
دخل إلى موقع “تويتر” واختلط بالأجيال الجديدة، وعاش مثل الشباب بآلامهم، انتقل إلى ربه وهو يأسى على ما يجري لمصر، كان موته رسالة واضحة إلى ضمير كل مصري، أن ابحث عن المشترك بينك وبين شريكك في الوطن، ولا تجعل من أدوات الاختلاف مجالاً للتنافر والتنافي، هكذا كانت أمنيته وهكذا كانت رسالته.
له مقولات طارت بها الركبان، فهو من قال:” مشكلة المصريين الكبرى أنهم يعيشون في مكان واحد لكنهم لا يعيشون في زمان واحد”. ” هل ما نعيشه هو انفلات “أمني” أم انفلات “أمن”؟ فإذا كان “انفلات أمني” أدينا بننسرق، وإن كان “انفلات أمن” أدينا بننقتل”. “ابني يعيش فترة المراهقة وبدأ يشاهد الأغاني الخليعة والصور الإباحية وجلسات مجلس الشعب”. ” المشكلة ليست في أنه لا يوجد حل ولكن المشكلة أنه لا أحد يريد الحل”. “ابدأوا الآن وانتقلوا من “ظل الطوارئ” إلى “شمس الحرية” فقد عشنا 7 آلاف عام كفترة انتقالية”. “إذا أردت أن تضيع شعباً فأشغله بغياب الأنبوبة وغياب البنزين، ثم غيِّب عقله واخلط السياسة بالاقتصاد بالدين بالرياضة”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: بصعود روح جلال إلى بارئها، يرى المصريون أنفسهم أمام لومٍ من قلبٍ اعتصره الأسى على الذي رآه! لم يمض على ثورة المصريين إلا سنة واحدة وجاءت ذكراها بمجزرة بورسعيد ولا تسأل عن المناوشات التي حدثت قبلها! مصر “تعبت” أيها السادة، بدليل أن قلباً عاشقاً هائماً بمصر لم يصدق أن على جبهة وطنه جراحا تسبب بها الشعب!
رحم الله جلال عامر الذي عمر حروفه بسخرية مؤلمة تحثنا على التقدم، ولم ير في مصر إلا أملاً وإشراقاً وروحاً!