حريق مدرسة جدة كان فاجعةً بكل المقاييس، فالوفيات والإصابات تدمي قلوبنا قبل قلوب الأهالي. لكننا نتساءل عن الإطار الذي رسم مدارس تعليم البنات. على هذا الشكل، بحيث تغيب النوافذ المفتوحة، وترتفع الأسوار، وتتواجد قواتٍ من الهيئة هذا غير حراس الأمن الذين هم من الأساس موجودون على البوابات، حتى يخيّل إلى المار بجوار مدرسةٍ للبنات بأنه يمر حول سجن. وعودة إلى التاريخ توضح لنا رواسب رؤية المجتمع للمرأة، وإن كانت طفلةً كما في “براعم الوطن”.
في 1904 في أواخر العهد العثماني، ارتأى والي بغداد أن يعرض موضوع تأسيس مدرسةٍ للبنات على مجلس المعارف، جمعهم وكان فيهم الأستاذ جميل صدقي الزهاوي عرض عليهم الفكرة فوافقوا، إلا أنهم احتاروا في المبنى المناسب للمدرسة، وبعد نقاشٍ طويل ارتأوا أن تكون مواصفاته:1- ألا تكون به شبابيك مطلة على الشارع. 2- ألا يكون في بيت الجيران نخلة أو نبكة (شجرة النبق أو السدر) يطلّ منها الأولاد على البنات. 3- ألا تكون إحدى الدور المجاورة متسلطة عليها. وبعد أن سمع الزهاوي هذه الشروط اقترح على الوالي – ساخراً – أن يدرّس البنات في “منارة سوق الغزل”. (رشيد الخيون. بعد إذن الفقيه. ص 124 بتصرف).
هذه الشروط الثقافية تبين أن المجتمع مأزومٌ أمام تعليم المرأة، والأمر لا يختص ببلادنا بل يشمل معظم العالم العربي، إلا أن الفارق أن غيرنا تخلص من الأزمة منذ عقود، ونحن لا نزال نعيشها إلى اليوم.
اللافت في تلك الشروط “غياب وسائل السلامة المدنية” وحضور سلامة التقاليد والعادات تجاه المرأة بوصفها موضع الخطيئة لا مكمن الإبداع، والشروط تدل على غياب رؤية المرأة بوصفها إنساناً!
الثقافة تكرر نفسها، وليتنا نعيد رؤيتنا لأبنية تعليم الفتيات، وألا نحصر أنفسنا بنظمٍ ثقافيةٍ ولى زمنها وأدبر، بل علينا أن نغامر وأن نتجاوز الحدود التي وضعت اعتباطاً فأضاعت الإنسان، ودمرت الأرواح.
قال أبو عبدالله غفر الله له: لقد شاهدنا صوراً من المدرسة المنكوبة، وهي تظهر على الشبابيك شبوك حديدية تمنع من الخروج، وكأن من بالداخل ليسوا أناساً بل حيواناتٍ تخاف منها وعليها لو خرجت عبر شباك! الكارثة التي حصلت، يجب ألا تمر مرور الكرام، فرغم إيماننا بالقضاء والقدر، إلا أننا نعرف أن هناك من فرط، بقصد أو بدون قصد، فلم يقم اشتراطات السلامة، أو أعاق الخروج الآمن، جبر الله كسر أهالي المتوفيات والمصابات من المعلمات والتلميذات، وجبر الله كسر الوطن على تفريط أبنائه بواجباتهم!