أجمل ما يرسم ذاكرة الإنسان هي تلك الكتيبات التي ترسم خياله وذكرياته منذ الطفولة. حيث طراوة الرؤية للحياة، والبعد عن المؤثرات التعليمية التي تئد في الغالب أسئلة الطفولة، وبراءة تلمس طرق الحياة والوجود. والطفولة هي الطيف الذي يكوننا على ما نحن عليه الآن. كلنا ـ تقريباً ـ نذكر أمين المكتبة في مدرستنا الابتدائية، كيف كان ينصحنا بالكتب التي تستحق القراءة، وكيف كان يمنحنا الحرية لقراءة ما نريد. كنا نختار الكتب المليئة بالصور، لأن ذاكرة الطفولة خيالية أكثر من كونها معرفية. يسأل الطفل عن كيفية تكون الأشياء في نهم شديد للمعرفة، وتعطش للعلم، وقرأت أن طفلاً بدأ بقراءة تاريخ العلم بعد أن تأمل “المايكروويف” بسرعته وإنجازه!
محرك البحث قوقل بأيقونته الثرية انبأنا بذكرى تشارلز روجر هارجريفز التي توافق 9 مايو 1935 وهو ـ بحسب سيرته المنشورة ـ: “مؤلف ورسام إنجليزي لكتب الأطفال، ومن أشهر أعماله سلسلة مستر مين وليتل ميس، والموجهة لصغار القراء، وقد كانت قصص كتبه البسيطة والمسلية بألوانها المبهجة ورسوماتها التوضيحية الجريئة، جزءًا من الثقافة الشعبية لأكثر من 25 عامًا محققةً مبيعات تزيد على 85 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم بعشرين لغة”.
قلتُ: لا شك أن أدب الأطفال لم يعرف في العالم العربي ـ كما يرى أحد المؤرخين ـ إلا في القرن العشرين، لهذا يضطر الأطفال إلى قراءة أدب الأطفال بلغات أخرى أو بترجمات من لغات ثانية في أحسن الأحوال، وهذا أحد ملامح التأخر الذي يسببه ضعف تركيز الأدباء على أدب الطفل في اللغة العربية، لكن من المهم أن نستذكر الرواد في أدب الأطفال وعلى رأسهم الأديب: عبدالتواب يوسف، والذي: “عمل مشرفًا على برامج الإذاعة المدرسية بوزارة التربية، بعد تخرجه في الجامعة، ثم رأس قسم الصحافة والإذاعة والتلفزيون بهما، إلى أن تفرغ للكتابة في أدب الأطفال منذ عام 1975. ويعد أبرز رواد أدب الأطفال العرب المعاصرين”!
قال أبو عبدالله غفر الله له: ومن أجمل الهدايا التي يمكن أن نمنحها لفلذات أكبادنا تلك الكتب التي تفتّق خيالهم وتعطيهم صوراً جديدة عن كل ما حولهم. لكن ويا للأسف، فإن أدب الطفل باللغة العربية لا يزال يخطو نحو التطور بسيرٍ بطيء، لا يتوافق وكمية الأطفال الذين يتوق آباؤهم إلى أن يُرسخوا لغتهم العربية وخيالهم من خلال اللغة العربية ومن خلال القصص العربية، فيضطر الآباء إلى اقتناء قصصٍ بلغاتٍ أخرى لأبنائهم. وآمل أن يلتفت الأدباء بشكلٍ جدي إلى هذا النقص الأدبي ليسدّوه بالإسهام والمدد!
وتذكروا أيها السيدات والسادة، أن خير ما تورثوه لأبنائكم، تعليمهم العادات الإيجابية، ولعمري أن القراءة من أهمها، وأثراها!