تخيّل –أخي القارئ ـ أن راتبك عبارة عن كيس أرز، أو ستة كيلوات من الشعير الصافي، وأننا لم ندخل زمن العملات النقدية والحسابات البنكية! بمعنى أنك لو تغيبت عن الدوام فيخصم منك نصف كيلو أرز، وأن خارج الدوام عبارة عن كيس من الأقط. أما الترقية السنوية فتكون –فقط- نصف كيلو من الحبوب والبقول.
هذه ليست مزحة، هناك مؤسسة لا تزال تعيش خارج التاريخ ألا وهي الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، أدام الله أصالتها. فإليكم نبأ هذه الرئاسة.
ذكرت الصحف أن محكمة الاستئناف الإدارية في منطقة الرياض، قضت الأحد 3 أكتوبر 2010، بإلزام رئاسة (شؤون الحرمين) بمكة المكرمة، بتحويل رواتب موظفيها إلى أي بنك محلي يرغب فيه الموظف. هذا حكم قضائي مكتمل الشروط، لكن وكيل رئاسة الحرمين ـ الذي يعلم جيداً أن القضاء في السعودية هو قضاء شرعي يحكّم ما أمكن الكتاب والسنة ـ لم يعجبه الحكم، فقال: “إن الرئاسة ليست ملزمة بتطبيق قرار المحكمة الإدارية، ونحن لسنا راضين عن الحكم الذي صدر ضد رئاسة شؤون الحرمين، وسنقوم بعد استلام صك الحكم بنقض الحكم وطلب الاستئناف خلال الفترة القانونية للاستئناف وهي شهر”، ويلحّ على أن الرئاسة ما زالت مصرة على أن موضوع تحويل رواتب موظفي المسجد الحرام والمسجد النبوي فيه مساعدة للموظفين للوقوع في شراك الربا الذي هو حرام بالكتاب والسنة النبوية المطهرة!
ولا أدري هل تصل ميزانية رئاسة شؤون الحرمين إليها عن طريق أتاوات تفرضها الرئاسة على المعتمرين والزوار؟ أم أنها تنشأ بفعل المقايضة؟ أم أن لدى الرئاسة استثمارا في قطيع من الإبل والغنم ومن عوائده تتحصل على الرواتب التي لا تريد أن تحولها للبنوك الربوية؟
إذا كان من حق كل امرىء أن يتورع في سلوكه المالي، فليس من حق جهاز من أجهزة الدولة أن يختط له سياسة خاصة به تتعارض مع سياسة الدولة كلها، بل تعرض بالنظام المالي للبلد كله. وإذا كان سلوك رئاسة الحرمين الموقرة مستغرباً، فبناء عليه لا تستغربوا أن يقرر السادة الفضلاء فيها أن يدفعوا في الغد رواتب الموظفين بالمقايضة أكياساً من الطحين وأمداداً من الأرز وأصناف الحبوب، لأن الأوراق المالية تحمل صوراً محرمة، ويحرم تداولها!