من الصعب أن تتحدث عن فنان بقيمة محمد عبده من دون أن تزدحم في ذهنك آلاف الأغاني التي شدا بها، منها مائة وخمسون أغنية وطنية، والبقية في الحب والشوق والغرام والغزل العذري الجميل، كانت صوتنا البهي، فنشر الفن السعودي في أرجاء الدنيا، مقدما ما لم تقدمه وزارات دعاية كاملة! جاء من قريته في “الدرب” جنوب المملكة ليكوّن مؤسسة فنية كاملة، يلحن، ويوثق، ويتنقل في فنونه بين الشعبي والحجازي والعدني إلى غنائه لقصائد عمالقة في الشعر مثل بدر شاكر السياب، وأبو القاسم الشابي، ولديه أغنية غير رسمية اسمها “الطين” وهي من كلمات الشاعر إيليا أبو ماضي، المعادلة التي نجح محمد عبده بتحقيقها أنه حافظ على جماهيريته الشعبية من جهة، ولم يخرج عن صوته وأدائه وألحانه المثقفة، فهو بالفعل رائد من رواد الأغنية المثقفة في العالم العربي، وأعني بالأغنية المثقفة تلك التي تكاملت فيها شروط الأغنية من عذوبة الصوت ونخبويته، إلى دقة اختيار الكلمة، وصولاً إلى اللحن المختلف والجذاب.
الوعكة التي تعرض لها الفنان الجميل تجعلنا نقف معه بصفته إنساناً يؤثر في الواقع ويتأثر به، وكلما التقيتُ محمد عبده أجده مندمجا بالواقع الذي نعيشه، لم يعزل نفسه للفن فحسب، وحين قام بتجربة دينية واعتزل عن الفعاليات الفنية فإنه تأثر بالموجة الدينية أو ما يسمى بموجة الصحوة الإسلامية، وهذا يدل على أنه ضمن الواقع والحراك الفكري الذي يعصف بالبلد وليس بعيداً عنه. ويؤكد بعض المقربين منه أن الفنان تأثر برحيل صديقه المقرب منه وأعني به أستاذنا محمد صادق دياب أمطر الله عليه شآبيب الرحمة والغفران.
والعلاقة بين المثقف محمد صادق دياب، والفنان محمد عبده، هي جزء من مشروع دياب حين دعا إلى تقارب بين الفنانين والمثقفين، وذلك في مقال له يدافع فيه عن محمد عبده ضد انتقادات الدكتور عبدالله الغذامي الذي وصف أغنية “أنشودة المطر” لمحمد عبده بأنها “أغنية مخجلة” وجاء ضمن رد دياب:”لا أتفق مع الصديق الغذامي حول تلك الأحكام، وليس بالضرورة أن يحدث مثل هذا الاتفاق، فالفن مساحة تحتمل مثل هذا التباين، لكن مقالي هذا يحاول أن يدلل بما قاله الدكتور الغذامي لتأكيد إشكالية العلاقة بين الأدباء والفنانين في الساحة المحلية، تلك الإشكالية التي أشرت إليها في ذات مقال نشر هنا بعنوان «تجسير العلاقة بين الفن والمثقفين»، فالفجوة بين الفنانين والأدباء تتسع في الساحة السعودية”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: والفنان صاحب الأغنية المثقفة محمد عبده سيبقى مثالاً للفنان الذي أطرب أجيالاً متلاحقة، شفى الله أبا نورة وأعاده إلى جماهيره ومحبيه!