أعترف أنني كتبتُ كثيرا عن التعليم وقضاياه، وانتقدتها، ليس لأنني كاتب فقط، بل ولأنني أب أعلم جيدا خطورة التعليم الضار. وعماد تقدم أي أمة في تعليمها. فالتعليم هو غذاء عقول النشء، وحين يفسد تفسد العقول، وكما تفسد الأبدان بالغذاء الضار، تفسد الأذهان بالتعليم المشوّه.
نتطلع دائما إلى تطوير التعليم. مشروع الملك عبدالله لإصلاح التعليم ما زلنا ننتظره، وإن كان قد تعثر – ربما – فعلينا أن ندفعه إلى الأمام ليرى النور. لكن وكما أن بعض الكلمات “تبرد الكبد” كما في الدارج الشعبي، فإن كلمة الأمير سعود بن عبدالمحسن كانت شافيةً لأنها جاءت من مسؤول، حينها يكون تصريحه أقوى بداعي الاطلاع على مجريات مختلفة عن التعليم.
من جميل ما قاله الأمير – بحسب صحيفة الشرق – قبل أمس: “أصبحت المناهج صراعا عقيما بين مدارس فكرية متعددة لا علاقة لها لا بالتربية ولا بالتعليم، 3% فقط من الطلاب السعوديين يعادل أداؤهم المتوسط المعياري العالمي في الرياضيات، وربع الميزانية تنفقه الدولة على التعليم وعلى الرغم من الدعم المادي و(اللوجستي) فالمدخلات لا تتناسب مع المخرجات.. أليس هذا مخيبا للآمال؟! نريد أن نرفع وصاية الأقلية على الأكثرية وأن نخرج من حساسيات الوصاية على التعليم والمزايدات، وما لم نشغل ثرواتنا في بناء تعليم يبني وينتج ويُنجز فسنجد أنفسنا في ذيل القائمة.. يسوؤني أن أقرأ لشمعون بيريز الإسرائيلي أن بلاده تستثمر في عقول أبنائها أكثر مما تستثمره دول الخليج مجتمعة في نفطها.. التعليم لا يتوقف عند طمس أمية القراءة والكتابة وكيف نقرأ كتالوجات السلع المستوردة.. بل دوره أن يضعنا في مكاننا اللائق بين الأمم، يحدونني أمل في سرعة إقامة الهيئة الوطنية للاعتماد وضمان الجودة لتحكم على خطوات قطاع التعليم.. الأرقام – أيها السادة – لا تكذب ولا تتجمل فميزانية تعليمنا تعادل ميزانية ست دول عربية”!
بالتأكيد، استخدمت المناهج لتجاذب التيارات، وقصّرنا في إنجاز شيء يذكر في مجال التعليم مقابل ميزانية ضخمة، هذا التصريح صرخة، وأتمنى أن لا تكون صيحة في واد سحيق، وأن يرى الناس مشكلة التعليم على أنها جزء من مشكلة الثقافة، فليست كل الكوارث سببها الوزارة ذاتها، لأن التعليم في بعض وجوهه هو انعكاس لثقافة المجتمع. على الناس أن يتحملوا أي تطوير أو تجديد أو تغيير في بنية التعليم، أتمنى أن تكون تصريحات الأمير القوية والواضحة والمباشرة فاتحة للتطوير والتنمية وتجديد بنية التعليم التي لم تتطور منذ أكثر من خمسين سنة.