حين نتحدث عن تجارب الخليج السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، فإننا نتحدث عنها بدافع انتمائنا لكل دولةٍ منها. حين أخاف على أي مكانٍ من الوقوع في فخٍ ما، فلأنني أحب ذلك البلد وأنتمي فعلياً إليه. الديمقراطية التي تتمتع بها الكويت لا تزال موضع جدل لثرائها أولاً، ولمخاطر ممارساتها أحياناً ثانياً. يذكر المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري أن القبليّة من أقوى عوائق الديمقراطية في الخليج عموماً، وهذا ما شهدنا أزماته في الكويت تحديداً، والتي لم تكن القبليّة فيها بهذا الشكل من التأزم والتوتر. والأنصاري قال ذلك التحليل قبل أن تنمو حالة التعصب القبلي، وقبل أن تأخذ القبيلة دور الطائفة، والذي هو دور سلبي في الأصل! العودة إلى القبليّة واستخدامها ضد أو مع في الانتخابات بالخليج أوضح من الشمس. واستخدام القبيلة للفوز أو الإسقاط، للتصويت أو الامتناع من التصويت صار واضحاً. والقبيلة إذا كانت بهذا الانتشار سواء في الكويت أو غيرها فما الجدوى من الديمقراطية أصلاً ؟! لأن الديمقراطية في استخدامها الغربي تقوم على أساس انتخاب المجتمع لكفاءات، لمن يستطيع أن يقوم بدور عملي إداري يفيد المجتمع، لكن إذا صارت الديمقراطيات تقوم على البيولوجيا، أو اللون أو العرق أو الانتماء لهذه القبيلة أو تلك، فمعناها أن شرط كفاءة الشخص المنتخب ليس الشرط الأول ولا الأخير، بل صار الانتماء لهذه القبيلة أو تلك هو الشرط الوحيد. هناك فرق بين الانتماء الصحي العادي للعائلة أو القبيلة أو غير ذلك، وبين أن يكون الانتماء متحكّماً متمظهراً في الممارسة الديمقراطية.لا أريد أن أكون تعميمياً فالتعميم كثيراً ما يجانب الإنصاف، وأعلم أن هناك نماذج إيجابية متحضرة كبيرة للقبيلة وأبناء القبيلة في الكويت خصوصاً والخليج بعامة، ولكن المستقبل يجب أن يكون للإنسان الكويتي لا للانتماءات القبليّة التي تعيد المجتمع إلى الوراء، بحيث يكون المعيار لا للتميز بل للجينات، وهي إشكالية حقيقية في العمل السياسي والإداري. الثقافة الديمقراطية تقوم على أساس المساواة، كل الناس سواسية والشخص الذي ينتخب لا ينتخب على أساس لونه، أو انتمائه، أو غير ذلك، بل على أساس شرطين اثنين: أن يكون مواطناً منتمياً للبلد، وهو ذو كفاءة عالية للمنصب الذي سيرشّح له. ثم إن الكويت منارة تنوير كبرى في الخليج، وحين يتنازع المشهد الديمقراطي الكويتي أجنحة يسيطر عليها الضخّ القبليّ من جهة، وضخ الإسلام السياسي من جهةٍ أخرى، فأين الأصوات المدنية، والتي تعنى بالشؤون الوطنية والتنموية؟! إنني لا أطالب بإلغاء القبيلة، بل أتمنى أن تعزز أدوارها القيمية، في تعزيز الفضائل وتأكيد أنبل القيم، شريطة أن تكون هذه القيم متناسبة مع الحياة الحديثة، فالفخر بالغزو، لم يعد في الدولة الحديثة، واستقرار المدينة إلا فخر بفعل لا يصنف إلا جرماً في عالم المدنية الحديث. وهو وإنْ كان مناسباً في ظرف تاريخي قديم، فإنه لم يعد في آليات اليوم، وتفصيلات المواطنة الحديثة. ميزة الديمقراطية أنها تصحح نفسها بشرط وعي المجتمع، حين يعي الناس أن الكفاءة هي الشرط، وأن أهل الكويت كلهم مسلمون فلا مجال لجعل إسلام الإنسان “السياسي” معياراً للانتخاب، كما يجب أن يعي الناس أن الانتخاب للإنسان لا لقبيلته، حتى وإن لم تكن له قبيلة يجب أن ينتخب إن كانت كفاءته عالية. هذا ما أقصده أن يعود المجتمع الكويتي إلى صوت المدنية، التي تميز بها إنسان الكويت، وارتفع شأنه من خلالها. الكويت قدوة بتاريخها السياسي، وحين نكتب ملاحظة فلأننا نحبها، ولا نريد إلا نشر الوعي الاجتماعي بالاشتراك مع الزملاء في الكويت من دعاة التنمية الذين يريدون للكويت الخير. يريدون للعملية السياسية البرلمانية أن تكون دافعةً للتنمية لا معطلة لها، وهو طلب بسيط من أحباب الكويت وأبنائها، إن الديمقراطية مع الإنسان بفرديته لا معه بقبليّته أو أيديولوجيته سواء كانت إسلامية أو شيوعية أو غيرها من الانتماءات الشمولية. تركي الدخيل www.turkid.net
جميع الحقوق محفوظة 2019