“مُسنّ زوّج طفلته من أجل شراء سيارة”!
هذا هو عنوان الخبر المنشور في صحيفة الوطن بالأمس. صدمني الخبر وذهلت! خبر موثوق كتبه زملاء ثلاثة: عبدالله النهدي، عزيزة اليامي، بدور العسيري، والتصريحات لقريب الأب المُسِنّ، تخيلوا، يزوّج طفلته لهدف مادي!
إذا كان الجاهليون يئدون بناتهم خوفاً عليهنّ من العار، فإن هؤلاء يزوّجون بناتهم القاصرات بحثاً عن “فشخرة” وشراء سيارة. أعلم جيداً كم هي مقيتة أنانية الإنسان، حينما يسير على مبدأ: “أنا ومن بعدي الطوفان”، لكنني أثق أن الأنانية يمكن أن تكون سائدة ومفهومة مع بقية الناس، لكنها لا يمكن أن تتسرب إلى الأبوّة والأمومة الصافية. في هذه الحادثة تسربت سموم الأنانية، وهذا هو سبب ذهولي، كيف تكون أنانياً، حتى إنك من الممكن أن تبيع بنتك الصغيرة بثمنٍ بخسٍ دراهم معدودة!
أظن أن هذه الكارثة لها سببان، الأول والأساسي عدم وجود أنظمة وقوانين جادة لإيقاف هذا الزحف، زحف زواج القاصرات المحبب لبعض ضعاف النفوس، الذين يبتزّون الفتيات ويشترونهن كما تشترى الدواب، وأنا هنا اتفق تماماً مع الناشطة، فوزية العيوني، حينما دعت إلى: “سن قوانين وتشريعات كفيلة بحماية حقوق الأطفال”، مُعتبرة أن الحد من التجاوزات المتكررة في قضايا زواج القاصرات يتم عبر الإعلان عن قانون عقوبات ضد مأذوني الأنكحة الذين يوثقون هذه الجرائم.
خطيب جامع الشافعي أبرز مأذوني الأنكحة في نجران الشيخ هلال بن أحمد آل رديف قال: “مأذونو الأنكحة لا يلتفتون في الغالب إلى عمر الزوجة، حيث إن تعليمات وزارة العدل تشدد على قضية عمل المرأة، وهل يقبل الزوج بمواصلة زوجته للدراسة ومن ثم عملها أم لا؟ وأن تركيز المأذون الشرعي ينصب على العلاقة بين الزوجين وتطبيق الشروط الشرعية واللوائح التي أقرتها وزارة العدل المتمثلة في الشهود وحضور الولي والمهر ووظيفة المرأة وفحص المختبر. أما مسألة العمر فإن الشرع لا يلزم مأذوني الأنكحة بأخذ رضا الطفلة إذا كانت أقل من تسع سنوات، وعند ذلك يؤخذ رأي وليها الشرعي”.
قلتُ: هذا نموذج على تردي الوعي بالإنسانية والأنظمة والتمسك بعادات وتقاليد وأدلة مرجوحة. وضعف كبير بقيمة “الطفولة” من أجل الإشباع الغريزي الحيواني.
السبب الآخر، هو سببٌ اجتماعي، فلو أنّ كل وليّ أمرٍ كانت لديه بذرة قليلة من “الإنسانية” والشعور بدواخل الآخرين، واحترام المرأة بوصفها إنساناً وليست سلعة، لو أن كل وليّ أمرٍ تملّكه هذا الشعور لقُضي على الظاهرة في مهدها، المشكلة أن ولاة أمور الفتيات القاصرات يرضون بمثل هذا الفعل، لأن العادات والتقاليد وماديات العصر البالية سمّمت المشاعر الإنسانية، فصار الأب يحب أرصدته البنكية أكثر من أولاده وبناته والناس أجمعين.
ويبقى السؤال المؤلم: ما قيمة مجتمع يقتل طفولة فتاة؟!