ارتبط الشتاء بكونه من الفصول الشاعرية. فهو شهر الحب والحياة الدافئة واللياذ بالحبيب. والشعر العربي مليء بنماذج شعرية تعتبر الشتاء قصة عاطفية بحد ذاته. وفيروز تعلمنا من أغنياتها معاني الشتاء، “شتي يا دني” (نسبةً إلى مطر الشتاء) و “رجعت الشتوية”. والشتاء أيضاً فصل الروح، كان السلف يعتبرونه ربيع المؤمن، لأن نهاره قصير فيسهل صيامه، وليله طويل فيطول القيام. والصقيع الذي يعصف بنا الآن يعيدنا إلى الاستراحة بالشعر والأدب عن الشتاء، نستريح من القضايا والمشكلات، نتذوق “شعر الشتاء”.
الصيف فصل اللغو، كما يقول طه حسين: “كنا نلغو أثناء الصيف، فلنجد أثناء الشتاء، وما الذي كان يمنعنا من اللغو أثناء الصيف، وفي الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها فتوشك أن تنام ولا تسير على مهل يشبه الوقوف، وفي أناة تضيق بها النفوس”. وغادة السمان تقول: “البراعم تفاجئ أغصان الشتاء”. الشتاء صديق الشعر، وهو ضوء للمشاعر، وإذا كان الصيف فصل صخبٍ وسفرٍ وحركة، فإن الشتاء فصل الشعر والأدب والسمر والتحلق حول الموقد والالتئام بالعائلة، بمن نحب ممن نهوى الدفء معهم.
أما أنسي الحاج فيقول: “لي حبيبة يا صديقي، نام بها الشتاء وأفاق فتيّاً، كمجهول قادم من الزهد صوب النار، خالعاً أقفال الاقتصاد والعزلة، يركض كقطعة الذهب المدوّرة إلى مساء الهَمّ وفجر الطيّبة. لي حبيبة ما إن اكتشفتها الأناشيد حتى فقدتْ أثرها”. الشتاء والحب صنوان، ولا عجب أن يوصف الشتاء بأنه فصل الذكريات، ونيران الذكريات هي التي تصهر الكلمات فتنتج الشعر.
فاروق جويدة يقرأ في أزهار الشتاء شيئاً من “البخل”: “في كل عام كنت ترحل يا حبيبي في دمي، وتدور ثم تدور.. ثم تعود في قلبي لتسكن شاطئيك لكن أزهار الشتاء بخيلة، بخلت على قلبي.. كما بخلت عليك! عذرا حبيبي إن أتيت بدون أزهاري لألقي بعض أحزاني لديك”. بينما فدوى طوقان تربط بين الريح وكشفها للشتاء، حين قالت:
” ها هي الريح مضت تحسر عن وجه الشتاءِ** وعروق النور آلت لضمورٍ وانطفاء”.
الشتاء فصل جميل، هذه الدرجات الباردة، هذا الصقيع الحاد يمكننا أن نستمتع به. الموقد في الأماسي، والاستدفاء باللبس ساعة المشي، والتأمل بالنهار وهو يبدو خجولاً بعد أن نعست الشمس. الشتاء لنا ألذ من الصيف الحارق الذي لا يستطيع الإنسان معه فعل شيء، أو إنتاج أي شيء.