إن مجرد قراءة فاحصة للفاعلين في تشويه الإسلام بالإرهاب يجعلك تكتشف أمرين: أحدهما أن معظم منفذي العمليات الإرهابية من المتدينين حديثاً، فمنهم من لم يتدين إلا قبل العملية ببضعة أشهر، وأكثرهم لم يمض على تدينه سوى عام أو عامين على الأكثر.
الأمر الآخر المثير أيضاً عند الملاحظة هو المستوى التعليمي لهم، فهم إما متخصصون في علوم لا علاقة للشريعة الإسلامية بها، أو أنهم لم يكملوا تعليمهم واكتفوا بالقليل من التحصيل العلمي النظامي.
أقول ذلك لا لأقلل من قيمتهم، فالأعمال التي يقومون بها تغير وجه العالم، وتؤثر في مسيرة التاريخ الإنساني، ولا يمكن لعاقل أن يقول إنه لا أثر للقتل وإزهاق الأرواح وتفجير المباني وتشتيت الأسر، وإشاعة الخوف والاضطراب مكان السلام والطمأنينة، لكن التعاطي مع أي ظاهرة يجب أن يكون عبر دراستها ومحاولة اكتشافها والتعرف عليها وسبر أغوارها.
معظم الأعمال الإرهابية قائمة على فكرة التشفي، تلك التي يرفضها الإسلام بالنظر إلى نصوصه الأصلية، فقطع إرهابيي السعودية رأس الرهينة الأميركي بول جونسون نحراً في يوليو 2003، لا يمكن الاستناد فيه إلى نص واحد من القرآن أو السنة.
بل تقول معلومات رشحت من تصريحات أمنية في السعودية إن عبدالعزيز المقرن زعيم تنظيم “القاعدة” السابق، كان يخطط لتعليق رأس الضحية الأميركي على إحدى إشارات السير ذات الكثافة المرورية، كي يرى الناس عدو الله (حسب رأيه) وقد قطعت رأسه على يد المجاهدين المتعطشين للدماء!
وليس بعيداً عن ذلك أن رأس جونسون كان خلفاء المقرن من الإرهابيين في السعودية يتناقلونه كالوصية الثمينة، ووجدته القوات السعودية في ثلاجة في منزل كان يختبئ فيه مطلوبون، والأغرب أن في البيت أطفالاً هم أبناء صالح العوفي الذي خلف المقرن في قيادة التنظيم، ووقع قبل أسابيع قتيلاً في مواجهة أمنية أخرى. فأي دين يجعل الأطفال يترددون على ثلاجة لشرب الماء وفيها رأس آدمي مقطوعة؟! بل أين هذا “الدين” من أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن ليمثل بكفار قريش، ولا بأي عدو له في أي معركة من معاركه، بل كان يوصي الجيوش بأن يحسنوا القتل، وألا يشوهوا الجثث، ولا يمثلوا بالقتلى؟!
وها هو المشتبه في أنه المخطط الرئيسي لتفجيرات مدريد ربيع عثمان سيد أحمد، يُقبض عليه إثر التنصت على فرحه وتهليله عند مشاهدة قطع رأس الرهينة الأميركي نيكولاس بيرغ في الإنترنت، قائلاً:”لو كان الأمر بيدي لحرقته كي يعرف ما هي جهنم”!
إن أمنية ربيع عثمان سيد أحمد التي أباحها لمكانه الذي كان يختبئ فيه وأظهرتها أجهزة التصنت، تدل على أن معلوماته الشرعية ضحلة تماماً، فالإسلام ينهى عن التعذيب بالنار حرقاً، إذ “لا يعذب بالنار إلا رب النار”!
وهكذا فالشواهد غير منتهية، وحصرها يبدو صعباً أو مستحيلاً.
يبدأ الإرهاب بدافع ديني، يكون هو الرداء الذي يحيط بالفكرة، لكن ما تحته لا علاقة له بالدين، كمعظم الحركات، تبدأ بأفكار، لا تلبث أن تنقضها وتنفذ ما يعارضها، وهي تجأر صباح مساء، بترديد الفكرة، وإظهار الدفاع عنها، والموت في سبيلها!.
جميع الحقوق محفوظة 2019