مطالبات دولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير، تصويت على انفصال الجنوب، غليان سياسي قلّ نظيره يحيط بالسودان من كل حدبٍ وصوب، حتى صار الملف السوداني من أعقد الملفات وأكثرها غموضاً. وقد قال لي صديق سوداني حينما سألتُه عن الوضع في بلاده: “السودانيون أنفسهم لا يدرون ما الذي يجري في السودان”! والسودان تضرر كثيراً بالانقلابات السياسية وبنفوذ واستهتار الحركات الإسلامية والشيوعية بالإنسان السوداني، غلبت لغة المزايدات والمناكفات على لغة التنمية والالتفات للإنسان السوداني.
لكن أمين الاتصال السياسي في الحزب الشيوعي السوداني الدكتور الشفيع الخضر يرى: “أن تغيير النظام السوداني الحاكم خطوة رئيسية نحو الحل الشامل لأزمة السودان، أما الحديث العربي عن مؤامرة تحاك حول السودان في الجنوب ودارفور فيعكس نظرة سطحية، لأن السودان يعاني من مشكلة حقيقية علقت به منذ الاستقلال في يناير 1956 حتى اليوم”.
لا يؤمن الخضر بوجود مؤامرة على طريقة الخطاب العروبي الذي ينظر إلى كل شيء في مرايا المؤامرة. أما عن مسألة انفصال الجنوب فيقول: “إن الاستفتاء على انفصال الجنوب هو استحقاق وأداة تم التوصل إليها للخروج من حالة الحرب، وأي حديث يشير إلى أن الاستفتاء يجري عن غير رضى فهو موقف غير نزيه”. والشفيع يأسف لحالة العداء المصطنع بين الجنوبيين والشماليين حين يقول: “إن السودان بقي موحدا لما يقارب مئتي عام، محتضنا أكثر من ثلاثمئة عرق ولغة، وهي مصدر ثراء وتنوع. وإن هناك تطوراً في نظرة الشماليين إلى الجنوب في السنوات الأخيرة، وشجع ذلك المواقف المعلنة عن العدالة والمساواة والاعتراف بالمواطنية، مشيراً إلى ارتفاع في معدل التمازج والمصاهرة بين الجنوبيين والشماليين”.
قال أبو عبدالله غفر الله له: هذا تحليل من شخص مطلع على بواطن الأمور، رأى الخارطة السودانية من زوايا أخرى، لم يركن إلى نظرية المؤامرات الدولية، ولم يهمل تاريخ السودان في تحليل حاضره، بل يتابع في تحليلاته لملف السودان تطورات اجتماعية مثل ازدياد حالات المصاهرة بين الجنوبيين والشماليين، ويصل أكثر إلى صلب المشكلة السودانية قائلاً: “إن السودان بعد الاستقلال حتى اليوم يعيش بين حالتي الحرب و شبه الحرب، وإن السودان كان يتطلب وجود مشروع وطني يراعي الفسيفساء والتنوع العرقي والديني والثقافي، ويلبي طموحات الأطراف ويراعي التوزيع العادل للموارد، ولكن النخب السياسية المتوالية فشلت في ذلك”!
قلتُ: وحينما ترى التنمية في حالةٍ يرثى لها فتّش عن السياسة. وكما قال الإمام محمد عبده: “قاتل الله السياسة، وساس يسوس سوساً”!