لماذا تُستخدم الألفاظ الأكثر بشاعةً حين يحتد الاختلاف؟!
كنتُ كتبتُ من قبل مقالة عن اختيار العبارات الجميلة في المخاطبات والحوارات، استدللتُ بوصية الشافعي حين قال: “اكسُ ألفاظك”، بمعنى أن اللفظ له لباسه الجميل والأنيق، أحياناً تكون العبارة الجميلة ساحرةً آسرة، بل ربما تثري الحوار وتجعله أكثر عمليةً وإنتاجاً. وصدق من قال “الكلام اللين يغلب الحق البين”. وإن كان لي من تعديلٍ على هذه العبارة فيمكن أن أقول “الكلام اللين يجمّل الأفكار ويسهل الحوار ويقرب البعيد، ويحيّد العدو”. للأسف باتت الجمل والكلمات التي يتناقلها من يمكن اعتبارهم النخب؛ لا تختلف عن جمل أرذل الناس في الشوارع، بل لقد ارتفع وعي رجل الشارع ليلغي إلى حد كبير نظرية تقسيم الناس إلى عامة وخاصة، أو رعاع ونخب، ولا سيما أن بعض هؤلاء النخب يتنابزون بألفاظ يعف الكريم عن ذكرها، حتى وإن أظهروا أنهم يستخدمونها خدمة للحق!
ليس الحق بحاجة إلى الكلمات النابية للدفاع عنه، وإلا لما أمرنا الله تعالى بألا نسب آلهة الذين كفروا؛ فيسبوا الله عدوا بغير علم. إذا كان هذا في حق الكفار الذين يعبدون غير الله؛ فكيف بحق المخالف من داخل دائرة الملة، ووسط إطار الوطن؟! مرة يفجعنا عضو في مجلس الشورى بكلمة نابية في تويتر، وثانية طالب علم، وثالثة طبيب ورابعة وخامسة!
كيف يمكن أن ننهى صغارنا عن ترديد الكلام غير اللائق ونحن لم نستطع أن نكبح جماح نخبنا عن أرذل الكلام؟!
الحقيقة، إنها مأساة. صحيح أن كلاً يؤخذ من كلامه ويرد، لكن المصيبة أن هؤلاء لا يعتذرون عن الأخطاء بقدر ما يبحثون عن مخارج وتبريرات لهذه الزلات الفاحشة، والكلمات النابية، والإساءات المتكررة!
قال أبو عبدالله ـ غفر الله له ـ أخطر ما يمكن أن يكون هو أن يبرر البعض لسوء أدبهم بنبل المقصد الذي استخدمت هذه الكلمات النابية من أجله! من لا يستطيع الدفاع عن المقاصد النبيلة إلا بالكلمات النابية، والألفاظ القبيحة، فهو سفير قبح، ونموذج سيئ لمن يريد أن يدافع عنه، خلافاً لكونه أخطأ في حق نفسه وفي حق من يستمع إليه أو يتابعه، فما بالك بالخطأ في حق المجتمع من الأساس، فهذه الكلمات لم تُقل في حجرات مغلقة النوافذ والأبواب، بل قيلت في أماكن عامة، ووسائل إعلام ونشر.