في عمق السواد الكالح، لا بد من ظهور شيء من ضوء.
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي** بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثلِ
تكاد تدمى قلوبنا على مآسي إخواننا وأهلنا في ليبيا، أمام معارك التطهير، والمعارك الدموية التي يخوضها ضدهم الزعيم القذافي، الذي يطبق سياسة الأرض المحروقة.
إلا أننا سنفقد بعد زوال العقيد، بإذن الله، حصة مهمة من التهريج السياسي، والنكتة السوداء، كان يقدمها لنا الزعيم الملهم، قائد الثورة، من وقت لآخر، في الأمم المتحدة تارة، وفي القمم العربية تارة أخرى، وفي مناسبات مختلفة.
من ظهوره بأزياء زاهية، تشبه في خاماتها الستائر، إلى ظهوره مقنعاً بنقاب، يحمل غصن شجرة ويلوح به، وليس نهاية بعلاقته الوثيقة بالنظر إلى الأسقف، في بحث عن المجهول… ربما!
تساقط أركان نظام القذافي، يبدو كأنهم فرحوا بكوة وجدوها أمامهم، فتنفسوا بعد أن جثى على صدورهم هذا النظام، لأكثر من 42 عاماً. فمن يصدق أن وزير الداخلية المنشق، يتحدث، وهو شريك القذافي في الثورة، عن معادلة مستحيلة التحقق، إذ إن لديه اثنين من أبنائه، وهما يحملان شهادة البكالوريوس، لكنهما يجلسان في البيت عاطلين بدون عمل! خذ في اعتبارك أن عدد سكان ليبيا لا يتجاوز 4 ملايين نسمة!
أعود لأستعرض معكم، شيئاً من خطبة الزعيم الليبي قبل يومين، تلك التي وصفتها المستشارة الألمانية ميركل بأنها مروعة، فقد كان من اللطيف جداً، أن يهدد الزعيم شعبه بالسحق، وأن يعتبر أن الثوار الذين أسماهم بالمتمردين، جرذان وقطط، أجلكم الله، ثم يطالب الملايين بأن تزحف لتناصره. ليس من ليبيا فحسب، بل من كل الدنيا!
كان طريفاً أن يعتبر الزعيم الملهم أن الثوار هم ثلة من المغرر بهم، ممن يتعاطون الحبوب المخدرة، وكأنه يقول بأن الشعب الليبي كله، يتعاطى الحبوب المخدرة، فالذين احتفوا بخطابه كانوا لا يتجاوزون العشرين شخصاً بينهم أبناؤه!
كان طريفاً أن يطالب بالثورة، معتبراً أنها دقت ساعة الثورة، فهل هي فلسفة أم سفسطة أم تهريج أن يطالب بالثورة على الثورة عليه؟!
كان طريفاً أن يطالب الجماهير، بأن يخرجوا في مسيرات مؤيدة له (الآن، اعتباراً من الغد)، ومن الواضح أن الساعة الزمنية متعطلة عند الزعيم، فالآن يمتد من اللحظة ويبدأ غداً!
ألم يقل الزعيم أن للمرأة حق الترشح سواءً كانت ذكراً أو أنثى؟!
أليس هو القائل: أيها الشعب، لولا الكهرباء لجلسنا نشاهد التلفاز في الظلام!
ألم يقل القذافي بجلالة قدره: سأظل في ليبيا إلى أن أموت أو يوافيني الأجل!
ثم ألم يكن من أفكاره العظيمة أن بر الوالدين أهم من طاعة أمك وأبوك!
كل عاقل يتمنى زوال القذافي، فالليبيون يليق بهم ما هو أفضل، لكننا سنفتقد حقاً، فاصلاً كوميدياً، وإن كانت كوميديا تشبه التراجيديا!