أطالب من جديد أن نستيقظ اجتماعياً من الشعور بالعيب ونحن ننطق أسماء نسائنا، وهي عادة اجتماعية بحتة لا تمتّ للإسلام بصلة، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين كان يمشي مع صفية وحينما مرّ بأصحابه أخبرهم أنها زوجته صفيّة تلك التي معه ولم يجد في ذلك حرجاً كما يجده بعض المهووسين بالخوف من العيب والفرار من أسماء الإناث خوفاً من العار والشنار والعيب، بعض الرجال يسمي زوجته وحبيبته بـ”الأهل”! لماذا لا تسميها باسم يعبر عن عاطفتك، هل بلغ بنا الجفاف والجفاء والتصحر هذا المبلغ الخطير.
بعد أن كتبت مقالتي “اكسر عينك… أعرف اسم أمك” وردتني رسائل جميلة وظريفة من أصدقاء وزملاء وقراء، أستاذنا الإعلامي المميز بدر كريم بعث لي مواصلاً سابغ لطفه وقال: “حينما قلتُ اسم والدتي “زبيدة” في مقابلةٍ صحفية قبل أكثر من ثلاثين سنة قامت قيامة نفرٍ من أقاربي ولم تقعد”. وقارئٌ أرسل لي إيميلاً جميلاً مما جاء فيه: “أذكر لك قصه قبل كم سنه كنت أزور أخوال الوالدة المهم كان فيه رجال غريب جالس عند أخوالي وكنت جالساً مع أختي هيله بالمجلس، وكانت صغيره وجالسه بجواري عاد واحد من أخوال الوالدة كان يعرف علي وعلى أختي، وكان يقول هذا يوسف بن حصه بنت نورة، وهذي هيله بنت حصه بنت نورة صار التعريف بالأم أسهل من التعريف بالأب”. بعض القراء الكرام علّق على أن الخجل من اسم الأنثى بات من مخلفات الماضي، وصبيحة المقال اتصل بي العم المثقف عمران العمران، ليخبرني أنه تلقى بطاقة دعوة زواج فلان من الناس على كريمتنا! قلت: وكأن هذه الكريمة ليس لها اسم ليعلن أمام الناس! أمحق كريمة!
حينما أكون في الطائرة مسافراً للخارج أستمتع حينما اعبيء في بطاقات الدخول “اسم الأم” أشعر أنه سؤال جميل، يملؤك رضا وطمأنينة أمام إجراءات أمنية متشددة باتت تحيط بالعالم بعد 11 سبتمبر. جميل حينما تطرّز في تلك البطاقة اسم أمك، إذ تشعر أنك تنصف هذه الأنثى التي رعتك بأهدابها، وأن اسمها لا يزال يصحبك –ولو في الأسفار- بشكل مستمر ودائم. وأحياناً بعض الموظفين في البنوك يسألونني حينما أريد إجراء عملية عن اسمي على سبيل التأكد من هويتي، ويشاركني في هذه الفكرة زملاء كثيرون يرون أن في وجود اسم الأم في الكرت إنصافاً لها، بل وطمأنينة لنا، حتى مع كون أمي رحمها الله ترقد في قبرها برده الله بالرحمات.
قال أبو عبدالله غفر الله له: ليست المشكلة فقط باسم الأم بل في عادات كثيرة تقيّد المجتمع لم ينزل الله بها من سلطان، بل هي موروثات من القبيلة أو العشيرة والعادة، وأعظم وأوسع دوائر الحظر والتحريم هي دائرة “العيب”، وكل من أراد منعك من شيء لم يرد بتحريمه نص ولا شرع، قال لك: “إيه… بس عيب”!