نربط كل موهبة بسنّ محدد، ونظنّ أن الصغير يجب ألا يفعل ما يفعله الكبار، وأن الكبار يجب ألا يمارسوا أفعال الصغار. هذه الفكرة جاءت من عند الناس، فكرة أن يمتنع الإنسان عن ممارسة طفولته وتلقائيته. الوقار الزائد دمّر المجتمعات، ودمّر براءة الإنسان، فصار الإنسان كسولاً عن ممارسة تلقائيته، إما بالجدية المفرطة حدّ تحول الإنسان إلى تمثال من دون تعابير أو ابتسامات، أو بالسخف المفرط حد انعدام الجدية والإفراط في الكسل والتثاؤب والنوم. لهذا يدّعي البعض أنه لم يجد عملاً، مع أن العصافير تجد عملها كل يوم. إن تحديد بعض الأعمال بالسن، أو ربط البهجة واللعب بالأطفال دون الكبار بدعة لا أعرف لها أصلاً، لا في الأخلاق ولا في الشريعة. ما الضير في أن يلعب الإنسان مع أولاده، ألم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يمازح الحسن والحسين، وكانا يصعدان على ظهره وهو يصلي، وصلّى على عصفور مات لأحد الأطفال. هذا وهو النبي الأكرم والأرحم والذي قال له الله: “إنك لعلى خلقٍ عظيم”. بعض الناس يستحي من أيّ شيء، يستحي من أن يكون طفلاً، مع أنه لا شيء أنقى من قلوب الأطفال في هذه الحياة. الآباء يعتبرون الطفولة عيباً يجب تجنبه، وحينما سألني أحد الصحافيين عن التصرف التلقائي فيما لو وجدت مجموعة أطفالٍ يغنّون؟! أجبته، أنخرط معهم بسرعة، قبل أن تنتهي الفقرة. المجتمعات التي تقتل الطفولة ولو عند الكبار، هي مجتمعات تعاني من نقص في الإنسانية، أن نحوّل الأطفال إلى أدوات للكبار. كما أن بعض المجتمعات تقمع كل طفلٍ يتقمّص أدوار الكبار. حينما تسأل طفلاً عن أمنيته يقرنها مباشرةً بأنه “حينما يكبر سيصبح طبيباً” مع أن بإمكان أهله جلب الكتب العلمية المنسجمة مع تفكيره وبساطة طفولته، ليقرأها ثم يبني عليها اختصاصه العلمي قبل أن يكبر. أذكر أن فيزيائيّاً من الفيزيائيين العرب كان سبب إبداعه في الفيزياء كتيباً قرأه في الصغر. وآخر برع في الإنجليزية بعد أن وقع على كتب تبسيطية للغة الإنجليزية منذ الصغر فطوّر هذا الاهتمام ووجد نفسه فيه. من جهةٍ أخرى نجد الكبار يغتالون الطفولة التي بداخلهم، فكل شيء فيه سعادة صار للأطفال، الفرح، والبهجة، واللعب، حكر على الأطفال، والكبار لا ينشغلون سوى بما يعتبرونه جادّاً، لهذا يفقدون متعة الحياة. الطفل الذي بداخلنا لا يمكن أن يموت، صحيح أننا نكبر وفق قانون الحياة لكننا نكبر مع طفل صغير يختبئ بين جوانحنا، ينوي التعبير والفرح، واللعب والخروج والانبساط. ولقد بلغ البعض من صلفه وجديته حتى امتعاضه من الغناء في عيد ميلاد أحد أبنائه! هل تذكرون أن أعرابيّاً رأى النبي وهو يقبل أحفاده ويلاعبهم ويمازحهم، فقال له باستغراب: أو تقبلون أطفالكم؟! فأجاب النبي بأن نعم. قال الرجل: والله إن لي عشرة من الولد، ما قبلت أحدهم قط! فقال النبي في موقف حاد تجاه التعاطي مع الطفولة: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟!
جميع الحقوق محفوظة 2019