ما أكثر الذين يأكلون أموال الناس وينتهكون محارمهم بالباطل!
على مدى العقدين الماضيين سمعنا قصصاً كثيرة عن “رقاة” يزعمون أنهم يداوون الناس بقراءة القرآن، سرعان ما تبيّن للجهات الأمنية أن أعداداً لا يستهان بها منهم كانوا يجدون في هذه المهنة وسيلة لمسّ أجساد النساء والعبث بمحارم الناس، وأكل أموالهم بالباطل. يأتي الرجل بأهل بيته إلى هذا الراقي باحثاً عن الشفاء تحت تقريع الخرافة وتحت تنويم الجهل المغناطيسي. لهذا قبض على الكثير من الرقاة وأغلقت الأحواش المهجورة التي كانوا يقرؤون على الناس فيها. وهي أحواش موحشة ملئت بمكبرات الصوت المزعجة.
شاهدتُ مؤخراً مقطعاً بصرياً يبدو فيه معالج مزعوم في دولة من الدول يقوم بممارسة حركات قبيحة مع المتعالجين والمتعالجات. تذكرتُ حادثة نقلها علي الوردي عن جعفر الخليلي وفيها أن رجلاً اسمه “مزعل الفحّام” في قرية من قرى العراق، كان يعاني من الفقر المدقع وكان لا يستطيع فعل شيء، ولا يحترف أي مهنة. أراد أن يفك عقدة فقره حينما أعلن أنه رأى الخضر في النوم وأخبره بوجود قبر لبعض الأولياء في بيته؛ أي بيت مزعل الفحّام.
وشاع خبر الحلم بين الناس، وفرح به سكان القرية التي يقع فيها بيت مزعل، أدركوا أن قريتهم ستصبح مزاراً مقدّساً، وبالفعل أصبح بيت هذا المزعل مزاراً بل غدت القرية ذاتها كعبة بالنسبة لسكّان القرى المجاورة. وجنى مزعل مما يقذفه زوّاره عليه من مال وقوت ما جعله غنياً كبيراً من أغنياء القرية. ومع أن أهل القرى يلدغون من هؤلاء الكذَبة كل عامٍ مرةً أو مرتين غير أنهم لا يتوبون ولا هم يذّكرون. تتكرر أحابيل وحيل الخدّاعين كل لحظة من دون مقاومة أو رفض.
قال أبو عبدالله غفر الله له: وما أكثر نماذج مزعل الفحّام التي تتكرر، يبيعون قوارير الماء العادية بنحو خمسين ريالاً، ويقرؤون في وايت ثم يبدؤون في ملء قوارير الماء، لأن “مزعلاً” من الناس قد نفث فيها، والحسابة بتحسب. بل ويبيعون علب “الفازلين” وعلب “الفيكس” بأضعافٍ مضاعفة ويبعون الأوراق الغارقة بالزعفران بأسعار خيالية، لمجرد أن “مزعلاً” نفث فيها من ريقه!
في قصة مزعل من العبر والدلالات ما لا يدركه الكثير من الناس الذين يغلبهم الجهل على أن يسلكوا طرق العلاج العلمية الطبية المعتبرة، بدلاً من الذهاب بفلذات أكبادهم إلى “أحواش” أو “استراحات” مظلمة، تزيد المريض مرضاً، وتضعه لقمة سائغة للوهم وضعاف النفوس.