ليست السعودية قارة لجهة مساحتها المترامية فقط، بل هي كذلك لجهة احتوائها على تاريخٍ عريق يحوي الكثير من الآثار التي ارتبطت بالتاريخ الإسلامي، بل وتمتد لما قبله بعشرات القرون. من الشمال حيث مدائن صالح، وإلى “البدْع” التي يقال إنها ديار قوم شعيب “مدين”، ويرجّح المؤرخ عاتق بن غيث البلادي أن: “موقع مَدْيَن هو بلا خلاف غرب تبوك، بينها وبين خليج العقبة، فإذا كان المقصود مدينة شعيب فهي تُعْرَف اليوم باسم البدع”. ولا ننسى مناطق في الجنوب تضم آثاراً كثيرة من بينها آثار الأخدود وسواها من كنوز أثرية وتاريخية عظيمة ومهمة.
من الرائع أن لدينا هيئة متخصصة في العناية بـ”الآثار”، والعبء كبيرٌ عليها أن تسعى لإثراء الثقافة لدى المجتمع والسياح بكل مكانٍ من تلك البقع التي طُحنت وانعجنت بالتاريخ. من يزور المدن السعودية يحتاج إلى خارطة كاملة تدله على الأماكن الضرورية، وإذا أردنا على سبيل المثال أن نجري جولةً سياحية في منطقة الحجاز فإن الإرشاد إلى الأماكن ذات الأهمية الحيوية وذات الرمزية التاريخية لايزال صعباً ووعراً ولم يخدم بالشكل المطلوب بعد، الحجاز الذي ضم ولادة الإسلام ومعارك انتصاراته، وكل تفاصيل تأريخ ديانة رئيسية في هذه الأرض، ضم العداء والصلح، وولاءات السياسة وانشقاقاتها، إنه بئر تاريخي من الضروري أن يخدم أكثر على مستوى التذكير بالآثار، وأن تقدم عن تفاصيل تأريخه برامج للإرشاد والشرح، وسرد التاريخ من خلال تلك الآثار الخالدة.
سعدت بعملٍ مهم قام به الدكتور رشيد الخيون في كتابه: “عمائم سود في قصر ابن سعود” سعدتُ به لأسبابٍ علمية كثيرة، من بينها أن الخيون لم تكن زيارته للسعودية تقليدية، بل اختار أن يذهب من الرياض إلى الحجاز عبر “الباص”، وذلك لاستذكار أماكن، ورؤية آثار قرأ عنها في كتب التراث والتاريخ، أراد أن يشاهدها بنفسه، لهذا جاء كتابه جميلاً شيقاً. أرى أن هيئة الآثار لو اعتنت بما لدينا من مخزون بالشكل المطلوب لخلقنا حركةً علمية وتاريخية وسياحية رائعة.
قال أبو عبدالله غفر الله له: نتمنى أن تخدم آثار الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب في الدرعية والعيينة وسواها، وأن نتأمل في التاريخ من خلال آثارهم، حينها تكون الصورة أكثر وضوحاً ورسوخاً في أذهان المثقفين والمؤرخين وسواهم من السياح الأجانب والغربيين. إنها إرثنا الرائع، وعلامات الآباء والأجداد الذين مشوا على هذه الأرض، أتمنى أن نخدمها بشكلٍ أفضل، لنقرأ أنفسنا الآن من خلال تلك الآثار، بكل طيفها التاريخي، وبكل تحولاته وصعوباته.