إذا قدّر لك أن تراجع لابنك أو ابنتك مادة “التاريخ”، وقرأتَ في التاريخ الإسلامي، واستعدت المركزية التاريخية لبلاد الشام، ودرّست ابنك عن دمشق وعن حداثتها تلك، عن الحركة الفكرية والشعرية والأدبية، إذا قدر لك أن تستمر في التغزل بدمشق، مستعيداً أطلالها البعيدة، عن الحلقات التي تضخ الحوارات التي أسهمت في تأسيس الفكر الإسلامي، وتغذية اللغة العربية، فستصاب بغصة عميقة تسري في أطرافك لأن تدرس ابنك تاريخ دمشق، وهي تعيش حاضرها المأساوي التعيس، تلك الغصة تخرج بصدق من أعماقك وأنت تستعيد ذلك المجد، وذلك التاريخ، وتلك الحضارة الدمشقية، والتي لم تمنعها عوادي الدهر من الانطماس أو الانقراض!
تشعر بالألم؛ حين تتذكر الدولة الأموية- مع أخطائها – وتاريخها الخالد في دمشق، أن تقرأ السطور الذهبية عن الجامع الأموي حيث الحوار الدائم، والحلقات المتخاصمة، عن الكتب والردود، عن الأئمة الكبار الذين احتضنتهم هذه المدينة، عن الشعراء وهم يأخذون صورهم من جمال جبال الشام ومن تدفق العلم من كل زقاق من أزقة دمشق.
إذا قدر لك أن تدرس أحد أبنائك أو أحفادك مادة التاريخ هذه الأيام فستصاب بغصةٍ وذهول؛ غصة لأن رؤية مشاهد القتلى والدماء في سوريا تزيد، وذهول لأن مواد ومناهج كثيرةً ستدخلها تعديلاتٍ معلوماتية وكان الله في عون الورق والطباعة، يكفي أن التغيير في مصر وتونس شطب حقبةً طويلة قاربت الثلث قرن صارت حالياً في ذمة التاريخ، وربما تنضم قريباً إلى صفحات التاريخ، ومستودع الوثائق المخيف، والمجال الذي يروي أحداث الدهر بكل العبر والحكم.
حتى وإن كانت دمشق بمنأى عن الدماء، غير أنها العين التي يرى من خلالها كل سوريّ عالمه، والأكيد أنها تدمع بصمت وتئنّ وفي صدرها صوتٌ كالمرجل، حين ترى دمشق “عين السوريين” بقية جسدها وهو يقطّع أوصالاً من دون أن يكون بيدها عونٌ ولا حيلة، حتى وإن كانت شوارع دمشق من دون دماء وأشلاء غير أنها القلب الذي يوشك أن يتوقف نبضه حين تسلخ أطرافها وتنزف عروقها بالدم حتى تجفّ الشرايين وتوشك الروح على الصعود!
وحين تتأمل وجوه النازحين على الحدود مع تركيا، وترقب شحوب وجوههم، تتساءل، أهذه البقعة التي شاركت في حضارات الإنسان منذ “الآشوريين” وإلى “الدولة الأموية” وما تلاها، تؤول إلى ما آلت إليه؟! حقاً إنها أحداثٌ صعبة وغريبة مثل بقية الأحداث التي نعلمها أبناءنا هذه الأيام.. أيام الامتحانات.. في مادة التاريخ!