الجحادة الاجتماعية تعني: حجب الأخبار غير المهمة وغير السرية عن بقية الناس. تتضخم الأشياء السرية، حين ينجح الابن يكون سراً، وحين تتفوق البنت يكون سراً عظيماً، وحين يفشي أحد أبناء العائلة نبأ إمكانية قدوم سائق، أو صبغ المطبخ يكون قد قام بنفس خطأ “أسانج” مع الوثائق الأميركية في “ويكيليكس”! يطاله العقاب الرادع والجزاء من جنس العمل، والعائلة تعتبر كل تحركات البيت مسألة أمن قومي، إياكم والحديث عن أي أمرٍ من أمور البيت العادية!
يخاف الناس من العين بشكل عجيب، يخافون أن يحسدوا على أي شيء، يعلنون تارةً أن سيارتهم تقسيط حتى لا يصابوا بالعين، أو أن البيت “أجار”، أو أن البنت قليلة المذاكرة، والابن يكره الكتب والمناهج، وأن والده يلاحقه حتى يذاكر ويحل الواجبات، كلها أخبار عارية عن الصحة تروّجها العائلة من أجل صدّ العين وردها. وهي شبيهة بما تمارسه بعض الثقافات حين يطلقون على الابن اسماً معيناً خوفاً عليه حين ولادته من الموت، وذلك قبل أن يكون الطب متطوراً، يوم كان القوم يتبركون بالتمائم ويتشاءمون ويتطيّرون، في ممارسات تعبر عن “قلة الحيلة” لدى البسطاء، فيلجأون إلى المنافحة عن كل ما حولهم من الإصابة بالعين.
لكن الأطفال الذين هم زينة الدنيا يقومون بكسر حاجز الجحادة، يروى أن رجلاً دقّ باب البيت، ففتح له الابن الطفل، طلب الرجل مقابلة والده، ركض الابن إلى والده منادياً إياه، قال له الأب: قل له إنني لست موجوداً، راح الابن يركض لباب البيت وقال: يقول أبي قل له إنه ليس موجوداً.
ويروى أن جارةً زارت جارتهم فإذا بالطفلة تدور وتشاهد جارتها باندهاش سألتها الجارة: وش فيك؟ فقالت: أمي دائماً تقول لنا إن لسانك طويل وأنا أحاول أشوفه! ألم يقولوا يوماً إذا أردت أسرارهم فخذها من صغارهم؟!
الجحادة أيها السادة: إحدى العلامات الاجتماعية العجيبة، في كل دول العالم البيوت أصلاً مشاعة ومفتوحة، والأخبار يتداولها الناس والمجاورون للبيت، نحن مع أن كل بيت عبارة عن قلعة منظمة طويلة وثكنة منزلية محكمة، ومع أن كل “فيلا” هي ثكنة محاطة بجدرانٍ أربعة، مع كل تلك الإجراءات والاحترازات إلا أن مبدأ الجحادة لا يزال يلعب لعبته في نفسية المجتمع. سيقول أحدهم معلقاً على ما سبق: جحيد وامر(ن) بعيد!