الحمدلله على التقنية التي حررت الناس من الوقوف على أبواب المؤسسات وكتابة المعاريض ودفع الواسطات والتسوّل أمام من يسوى ومن لا يسوى لإثبات الجدارة وتحقيق النجاح. شاهدت على “اليوتيوب” حلقات من برنامج كوميدي ساخر اسمه: “لا يكثر”. استلقيتُ على قفاي من الضحك، ولم أكفّ عن القهقهة، إذ التقط صورا من المجتمع ورتبها لتكون فقرات كوميدية عالية الجودة والجمال، حتى النص الذي كتب في البرنامج مليء بالسخرية والتنكيت الجميل والصادم معاً. البرنامج من إخراج علي الكلثمي وعلاء يوسف وكتابة فهد البتيري وإبراهيم الخيرالله، وهو يُصنف ضمن كوميديا الشخص الواحد، إذ يقدمها فهد البتيري بشكل جذاب وساخر وراق.
من الرياضة إلى المجتمع إلى كل تفاصيل الحياة اليومية. من إدمان اللاعبين السعوديين للمندي والمثلوثة والكبسات بأشكالها وألوانها، إلى تصريحات الرياضيين، إلى الإعلانات التجارية، برنامج ناجح بالفعل لأنه تضمن نصاً ممتازاً والشباب الذين قاموا عليه هم من الواعدين، ففهد البتيري لديه خفة دم ومستقبل كبير في حال بقي في ذات الخفة والدهاء في صناعة النكتة. تعلمنا النكت أننا كمجتمع مثلنا مثل غيرنا، لدينا عيوبنا ومميزاتنا، وأن السبات الذي عشنا فيه خلال السنوات الماضية والاعتقاد الباطل بأننا (أحسن ناس) تبين أنه خطأ، ليس لأننا سيئون بل لأننا مثل باقي خلق الله، إذ اكتشفنا أننا لدينا أيادٍ ورؤوس وأننا مثل الناس.
آن للناس أن تعبر، أن تفرض وتنتقد من دون سلطةٍ من أحد، أن يقول من شاء ما شاء بأدب واحترام. لننتقد محلات أبو ريالين أو كثرة مستوصفات الأسنان أو تحول مطاعم المثلوثة والمندي إلى واجهة من واجهات الرياض بأربعة طوابق، ولننتقد ظاهرة هلاك القطط في الطرق والشوارع. كل تلك الظواهر تستحق أن تكون مثار نقد وحديث بل وضحك وتنكيت. وقد نجح برنامج “لا يكثر” حتى الآن في هذا، وأتمنى له مواصلة النجاح.
قال أبو عبدالله غفر الله له: عنوان البرنامج “لا يكثر”، يعني لا تثقل علينا وتكون شخصاً كثيراً، وما أكثر الكثيرين وما أكثر الثقلاء. تخيّل أن أحداً يشاهدك ثم يقول لك “لا يكثر” هذا هاجس الإعلاميين، وبحكم أنني مذيع أبذل كل جهدي حتى لا يقول المشاهد “لا يكثر”، ولا يقول القارئ “لا يكثر”. الناس في كل أعمالها وإبداعاتها تخاف أن يقال لها “لا يكثر” وهذه عظمة البرنامج الإبداعي الذي قام به الأخ فهد.
استمروا أيها المبدعون في اختراق المظاهر الاجتماعية الخاطئة بالتنكيت والتريقة، فما أجمل الضحك وما أروعه كعلاج لمكافحة الكدر.